إن استقلالية القضاء موضوعٌ بالغ الأهمية والدقة، ومع ذلك فان الأجواء المحيطة به حاليا لم تعد مريحة لا بل هناك خشية من أنْ تؤدي هذه الأجواء الى فقدان المواطنين ثقتهم بالعدالة، فيتعرض الوطن لمزيدٍ مِن الأخطار. وبانعدام الاستقلالية أو إعاقتها أو شللها، ينعدم وجود السلطة القضائية نفسها، وتاليا ينعدم معها وجود سائر السلطات لتندثر معها الديموقراطية. وكان قد توقع أهل القانون والناس صدمة إيجابية بإقرار مشروع التشكيلات والمناقلات القضائية والتي مر عليها أشهر.
بعدم صدور تلك التشكيلات، بات أمل المواطنين بهذه الصدمة الإيجابية ينطفئ يوما بعد يوم، وهذا الواقع لا ينسجم لا مع مبادئ الديموقراطية، ولا مع دولة القانون، ولا مع مبدأ استقلالية القضاء. فليُبادر المعنيون الى إنهاء هذه المراوحة الهدامة للدولة بصدور التشكيلات القضائية، فبها يُعاد ضخ الثقة بالعدالة.
هذا، وإننا نؤكد على أن مبدأ استقلالية القضاء:
“هو حق أساسي من حقوق الإنسان نصت عليه المعاهدات والمواثيق والشرائع الدولية سيما:
1) المادة 10 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان.
2) المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
3) المادة 12 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
وهو ركيزة الديموقراطية التي كرستها صراحة أحكام الدستور سيما:
1) الفقرة “ج” من مقدمته التي تنص على أن: “لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية”.
2) الفقرة “هـ” من مقدمته التي تنص على أن : “النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها”.
3) المادة 20 منه التي تنص على أن : “السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة…، والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم؛ وتصدر القررات والأحكام من قبل كل المحاكم، وتنفذ باسم الشعب اللبناني”.
لكل ذلك، فإن إصدار مرسوم التشكيلات القضائية أضحى مُلزما وضروريا أيا تكن الملاحظات عليه وأيا تكن التحفظات بشأنه، وذلك بعد أنْ إستُنفدت الآلية المنصوص عنها في المادة 5 من قانون تنظيم القضاء العدلي لتصبح التشكيلات نهائية وملزمة.
في المُطلق، يبقى أن قضاة لبنان هم ركيزة من ركائز هذا الوطن، ونحن نتوقع منهم الإرادة والعزيمة والقدرة والشجاعة والمناعة والاستقلالية تجاه أيٍ كان، من أجل تحقيق العدالة والانصاف وإرساء الأمن المجتمعي والمُضي في مكافحة الفساد ومعاقبة المتورطين فيه، في الوقت المداهم وفي الوسائل المناسبة، تحصينا للوطن وحماية لدولة القانون بما يتلاءم وآمال الشعب!”.