مدينة جبيل،رسولة الأبجدية الى العالم تعزز موقعها الريادي بخطط تنموية سباقة

 

مدينة جبيل،رسولة الأبجدية الى العالم

تعزز موقعها الريادي بخطط تنموية سباقة

 

جبيل مدينة الحرف التي ولدت فيها الابجدية،تعتبر من أقدم  المدن المأهولة في التاريخ البشري إذ يعود تاريخها الى أبعد من 5000سنة،تحتضن العديد من المعالم التاريخية والأثرية، وبذلك انضمت الى موقع التراث العالمي لليونسكو..

تطل المدينة على البحر الأبيض المتوسط في محافظة جبل لبنان وتبعد عن بيروت نحو الشمال 37كلم،يزيد عدد سكانها عن 60000 نسمة.كانت قرية صيادي أسماك على التل المشرف على البحر،ثم تطورت حتى أصبحت من أهم المدن بساحاتها وشوارعها وأسوارها وأسواقها القديمة…وهي من أكثر المدن السياحية استقطاباً للسياح في لبنان والتي تمزج التراث بالحداثة.

نشأت في محيط مرفئها الذي شكل موقعاً حيوياً وتجارياً،وكان مصدر ازدهارها وانفتاحها على العالم،واليوم أصبح مركزا لأضخم المهرجانات الدولية تُرفع فوق مياهه المسارح.  تميزت جبيل الفينيقية بعلاقاتها التجارية مع مصر وبصناعة السفن من خشب الأرز وصناعة الفخار.

تعاقبت شعوب مختلفة على المنطقة من الأشوريين والبابليين والفرس والإغريق والرومان والبيزنطيين والعرب والصليبين والمماليك والعثمانيين مخلفة حضاراتها المتجذرة في عمق التاريخ.

تنتشر في أرجار جبيل المساجد كمسجد السلطان عبد المجيد،والكنائس ككنيسة القديس مار يوحنا مرقص ما يدل على أنها نموذج للتعايش بين المسلمين والمسيحيين.

وعند مدخل قلعة جبيل متحف شيد عام 2002وهو عبارة عن طابقين،في الطابق الأرضي لوحات تتحدث عن الحفريات التي جرت في جبيل كما توجد واجهات تعرض قطعاً أثرياً  ترمز الى التقاليد والعادات عند الشعوب التي تعاقبت على الموقع.أما الطابق العلوي يخصص لنشاطات الموقع،والجدير ذكره أن في جبيل متحفاً للأسماك المتحجرة التي تم استخراجها من مقالع حاقل والنمورة وحجول،كما شيد متحفاً للشمع يحوي أكثر من 120 تمثالاً من الشمع تمثل شخصيات لبنانية بارزة …

تعتبر بلدية جبيل من أوائل البلديات في لبنان،إذ تأسست عام 1879 بعدما الغت حكومة المتصرف رستم باشا نظام المحسوبية.كما تنقٌل مركز البلدية على مدى ولايات المجالس السابقة من مكان الى آخر في أرجاء المدينة.

يترأس المجلس البلدي الحالي الأستاذ زياد الحواط الذي بادر بخلق جسور التعاون إن كان مع البلديات المحلية أو الأجنبية، بغية تطوير العمل الإنمائي والإستفادة من خبرات الدول المتقدمة،وكان لا بد ان يبادر الرئيس زيادالحواط مع المجلس البلدي الحالي الى بناء قصر بلدي جديد يليق بتاريخ بيبلوس العريق والذي يتألف من ثلاثة مبان: المبنى الأول مخصص للمؤتمرات والإحتفالات،المبنى الثاني،لإدارة البلدية وماليتها.كما خصص متحفاً للأبجدية والكتابة.أما المبنى الثالث فهو مخصص لرئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي والجهاز الهندسي والشرطة والأرشيف.والملفت أن هذه المباني تتصل ببعضها البعض في الأسفل عبر قاعة كبيرة تسورها الحدائق والمواقف.

وللحفاظ على إرث جبيل الثقافي،أطلقت البلدية برنامجا لتحصين المدينة من الكوارث الطبيعية بالتعاون مع مؤسسة “روكفيليرالأميركية” الممولة لبرنامج “مئة مدينة محصنة”.كما عملت على تأهيل الأسواق التجارية القديمة بما يتلائم مع متطلبات الأسواق العصرية.وأُنجزت المرحلة الثالثة من مشروع “الإرث الثقافي” الممول من البنك الدولي،الذي أعاد تأهيل الشارع الممتد من السرايا القديمة حتى الشارع العام بالإضافة الى شارع القديسة أكويلينا،الى ذلك تم تأهيل الطريق الرومانية وتوسيع موقف السيارات والباصات على مدخل المدينة وإنشاء المركز الثقافي البلدي وسط السوق الأثري الذي يقدم خدمات مجانية للسياح والزوار عن مدينة جبيل.وتجدر الإشارة الى أن هذا المركز يشهد كل عام على تسليم خمس جوائز ثقافية باسم “جائزة مدينة بيبلوس”جائزة لأفضل عمل حول الحضارة الفينيقية، ولأفضل عمل فني حول تراث المدينة،ولأفضل نشاط ثقافي في قضاء جبيل،وجائزة للآداب،وأخرى للموسيقى.

ولمواكبة الحداثة أصبح للأحياء والشوارع أسماء وأرقام بما يقدم نموذجاً عصرياً عن هندسة المدن وتنظيمها.

ولأن بلدية جبيل لا تهتم في بناء الحجر وحسب،بل تراهن على بناء البشر،وتنمية قدرات الجيل الصاعد،تم إنشاء مجمع رياضي من هبة قدمها المغترب كارلوس سليم،وافتتحت القاعة التي تحمل اسمه في “مجمع الرئيس ميشال سليمان الرياضي”. والملفت أن هذا المجمع هو الأول من نوعه في القضاء،يضم مسبحاً مقفلاً، وقاعة رياضية مقفلة ومنتجعاً رياضياً،بالإضافة الى ملاعب كرة سلة، وطائرة، وكرة قدم، وميني فوتبول،وسكواتش، وكرة طاولة،في ملاعب مغلقة ومفتوحة وفق المقاييس التي تحددها الاتحادات الرياضية لكل لعبة.كما يضم مدرجات تتسع لأكثر من 2500 متفرج.

أما على الصعيد البيئي،فقد أنشئت البلدية بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار  حديقة نموجية صديقة للبيئة.تحضن استراحات ومساحات مخصصة للمشاة والمتنزهين وبركة مياه ومسرحاً ومساحات مخصصة للإحتفالات،وأخرى لألعاب الأطفال.غرست بأشجار الزيتون والليمون والبلح والسرو الى جانب الأزهار والنباتات العطرية.وقد فاز هذا المشروع بجائزة “المهرجان العالمي للعمارة” في مدينة برشلونة الاسبانية.

وللتصدي لأزمة النفايات عملت البلدية على خطة لإدارة النفايات وفرزها من المصدر ضمن استراتيجية بيئية شاملة للمدينة تجتهد لزيادة المساحات الخضراء،والحد من التلوث في محيط المدينة القديمة.

أيضا في الإطار البيئي،أنجزت البلدية مع جمعية حماية الطبيعة في لبنان”حمى” اتفاقا فريداً أعلنت من خلاله شاطيء جبيل منطقة”حمى”بحرية،لينضم بذلك الى باقة من الحمى الموزعة في مناطق لبنانية عدة.وهي مبادرة سباقة تُشرك المجتمعات المحلية في حماية مواردها الطبيعية وتعزيز نموها الإقتصادي،عبر تسويق منتوجات المجتمع المحلي التي ترتبط بالإرث الثقافي.ومع بدء تطبيق هذا المفهوم ستطوق المدينة والقضاء بإستراتيجية أمان علمية،تحمي مواردهاوطبيعتها وتنوعها البيولوجي وثرواتها الحيوانية.وسيكون هدفها ربط التراث الثقافي والبيئي للحمى بعدد من الأنشطة،منها تنظيم مهرجانات سنوية للرعاة الرحل،وربط دروب الغابة ودروب الرعي من جبيل الى العاقورة عبر رحلات سياحية…وسيعزز هذا التوجه الرائد بإنشاء قسم عن الإرث الثقافي والبيئي في مركز الاستعلامات السياحية وإعداد دليل عن الثروة السمكية في جبيل،وربطها بحفريات الأسماك.

وسيتصل كل ذلك بخطة لإعادة تراث إحياء زراعة صدفة الأرجوان،الرمز التاريخي للمدينة ،والتوتيا والسلاحف البحرية…

في إطار النشاطات،اختيرت شجرة جبيل الميلادية عام 2014نجمة بين الأشجار صوراً لها،كأجمل أشجار الميلادللعام wall street journalالتي نشرت صحيفة   .ومن يومها ولبنان والعالم يترقبان سنوياً الحدث الميلادي الطالع من قلب الشارع الروماني في المدينةعلى شكل شجرة ومغارة .

وحرصاً على حماية المدينة التاريخية وبيئتها الطبيعية من المخاطر المترتبة على الحياة العصرية المليئة بمخاطر التلوث على أنواعه،أطلقت البلديةخطة نقل مشترك حديث،توفر على أهل جبيل كابوس الازدحام اليومي على الطرقات.كما ستوفر على ذوي الدخل المحدود استهلاك ثلث راتبهم الشهري كتكلفة ثمن المحروقات والتاكسيات…سينفذ المشروع بمبادرة من المجلس البلدي،وبالتعاون مع شركة فرنسية.ولعل الأهمية القصوى لهذا المشروع تكمن في أنه سيخفض عدد السيارات التي تتحرك في الشوارع كل يوم وسيتصدى للإزدحام المروري.

 وبالإنتقال الى سلامة الغذاء،أنشأت البلدية لجنة صحية في البلدية لمراقبة سلامة الغذاء حرصاً على سلامة المواطن الغذائية.فتكثفت الجهود في مراقبة المطاعم والأفران…وذلك بعد إعداد دورات تدريبية وتوجيهية على سلامة الغذاء خضع لها عاملون في القطاع.    

 

فيما يتعلق بالبنى التحتية،تم تنفيذ مشروع شبكة حديثة للصرف الصحي،التي تشمل جبيل والضواحي،بتمويل إيطالي بلغت قيمته تسعة وعشرين مليون يورو من أصل أربعين مليوناً بعد أن عانت المنطقة من خطط بدائية في هذا المجال.

وبهدف تعزيز السياحة البيئية والتنموية في القضاء،تقوم البلدية بدراسات معمقة لمشروع التلفريك الذي سيربط في مرحلته الأولى شاطيء جبيل المدينة بمحمية بنتاعل عبر طريق برية بيئية تستخدم للدراجات والنزهات.أما المرحلة الثانية فستؤدي الى تعزيز السياحة الدينية لأنها ستشمل استخدام التلفريك لنقل الزوار من جبيل المدينة الى دير مار شربل في عنايا،مروراً فوق الأملاك النهرية العمومية.

وفي هذا السياق،أمنت البلدية سيارات كهربائية من أجل نقل السواح من مواقف السيارات والفنادق مجاناً الى الأسواق التجارية…هذه التجربة الناجحة استحقت أن يمدد لها في فصل الشتاء أيضاً،لكن بدوام جزئي.

الى ذلك تم افتتاح شارع باسم منظمة الأونيسكو في جبيل،المصنفة على لائحة التراث العالمي للمنظمة.واستضاف هذا الشارع الأثري حديقة الحرفين التي ضمت معرضاً للوحات فنية وأشغال حرفية،ما يدل على حرص البلدية على تشجيع المشاريع الثقافية الطابع.

أيضاً،قامت البلدية بتحويل المنطقة القديمة الى موقع خال من السيارات،بهدف حمايتها وتطويرها،وحماية المؤسسات فيها.واليوم يتمشى الزوار في أزقتهاعلى مدار الساعات الأربع والعشرين،بين الحصى البحرية التي ترصع الطرقات.

عام 2016 اختيرت جبيل عاصمة للسياحة العربية وهذا الإمتياز الممنوح لجبيل في العالم العربي يتعدى كونه أشعاراً الى عمل دؤوب وخطط مستقبلية،تشكل استراتيجية المرحلة المقبلة.