الوزير إيلي ماروني : ثبات رسّخته الأهداف

من دار السلام، من عرين الأسود، من زحلة الصامدة عبر تاريخها الطويل، يُطلّ علينا ابنها البار مزهواً بجرأته واثقاً من جدارته مؤمناً بقناعاته، متطلّعاً دوماً بتفاؤل إلى آفاق مستقبل أفضل.

زحلاوي الهوا، كتائبي الإنتماء يفاجئنا في تحدياته التي حرص على ترسيخها بفكر نهضوي ورؤية تتحدى العاديات بأبعادها النضالية لإرساء انتفاضة جديدة للبنان جديد.

هو الحرّ في زمن التبعية والهزائم والصامد أمام التشرذم وانحراف المسارات السياسية.

بموت أخيه… كانت الفاجعة! لكنّه لم يستسلم لصفعة القدر الموجعة، بل بادره بالإتعاظ والرضوخ لحكمة الله وإرادته.

حاز على إجازتيّْ الحقوق والعلوم السياسية. عُيّن وزيراً للسياحة، ثم انتخب نائباً عن زحلة. هو النائب إيلي ماروني الدقيق الملاحظة في حواراته والذي يُدهش المحاور بأجوبة صريحة لا تخلو من نكزات ونقدات يرطّبها بحكمته المألوفة وبالحجّة والإقناع.

التقيته في البرلمان فور مغادرته جلسة الإنتخابات الرئاسية التي أرجئت كالعادة للوقوف عند تفاصيل مفترقات حياته الحزبية، السياسية وحتى الشخصية.

أنا مرتاح لنظرة الحزب إليّ!!

– إيلي ماروني شخصية ، تبدو قريبة من الجميع ومتفاعلة مع محيطها. إلى أي مدى ترهقك انعكاساتها؟

بالفعل أنا إنسان عفوي وعلى طبيعتي؛ لم تبعدني نشوة المناصب ووهج الأضواء عن محيطي وأنصاري ورفاقي، فإني أتفاعل مع شجونهم وهمومهم وأتواصل معهم باستمرار؛ لم أتبع يوماً الأسلوب التقليدي السائد في التعاطي مع الآخرين وأبواب مكتبي وبيتي مشرّعة لكل زائر ساعة يشاء وبلا موعد.تآلفت مع هذا النهج المحبب إلى قلبي إلا أنّه أرهقني جداً، لكنّي سعيد بما أعمل له وأقوم به.

قبل أشهر على تعييني وزيراً صُعقت بمقتل أخي نصري  وهذا الحدث بحدّ ذاته دفعني إلى التقرّب أكثر من الأهالي الذين وقفوا إلى جانبنا في أكبر مأساة حلّت بنا.

مهام وزارة السياحة التي أسندت إليّ  أتاحت لي التعرف إلى عدد كبير من الأصدقاء الذين ما زلت معهم على تواصل مستمر.

كيف تلقيت خبر تعيينك آنذاك؟

سررت جداً، لتسلّمي حقيبة وزارة السياحة التي كانت إحدى أمنياتي لأنها  الوحيدة التي تظهر وجه لبنان الحضاري وتوصل صوته الحقيقي كما أنها ركيزة أساسية من ركائز الإقتصاد اللبناني.

انتسبت إلى حزب الكتائب سنة 1981؛ ما الإنتقاد الذي توجهه اليوم إلى الحزب؟ أين أخفق وأين أصاب؟

لقد مرّ حزب الكتائب بنكسات متلاحقة من تهجير ونفي لرئيسه الشرعي الشيخ  أمين الجميّل إلى تعيين قيادات غير ممثلة لطبيعة قاعدته الشعبية، بالإضافة إلى شحّ موارده… ومما لا شك فيه أن تاريخنا حافل بالإنجازات والنضالات لأننا ساهمنا في الماضي بتحرير لبنان وشاركنا في استقلاله وميثاقه. غير أن تواتر النجاحات هذه لا ينفي تسجيل بعض الإخفاقات غير المتعمّدة لذلك نطمح دائماً لبلورة رؤيتنا وتحسين أدائنا بالمناقشات التي تدور خلال الإجتماعات التقييمية للحزب.

هل تعتبر نفسك رقماً صعباً في المعادلة الحزبية وهل ينظر إليك الآخرون كما تودّ؟

يبتسم ويصرّح بتواضع قائلاً، أعتقد أني “شيئ ما”  في حزب الكتائب الذي بات جزءاً من ذاتي وذاكرتي. وقد أظهر الشيخ أمين الجميّل تقديره لي حين أولاني شرف تمثيل الحزب في وزارة السياحة… تجمعني برفاق الدرب علاقة ودّ واحترام متبادل … حقاً أنا مرتاح لنظرة الحزب إليّ.

ما أجرأ قرار اتخذته؟

إعلان استقالتي من مسؤولية رئاسة إقليم زحلة للكتائب بعد انتخاب كريم بقردوني رئيساً للحزب. حينها التحقت بالحركة الإصلاحية الكتائبية في بكفيا على الرغم من إدراكي خطورة الموقف الذي كان يهدّد سلامتي الشخصية نظراً لتحالف السوريين مع سياسة الأستاذ بقردوني يومذاك.

أما زلت راضياً عن أدائك الحزبي والسياسي؟

أطمح إلى مزيد من العطاء لكننا نفتقر إلى إمكانات غير متوفرة اليوم؛ بالطبع سيتغير الوضع العام إذا ما أصرّينا على تغييره، فأنا شخص أذهب إلى النهايات في عملي حتى أنال مرادي ولو بعد حين.

الرئيس أمين الجميّل مثالي الأعلى!

هل استثمرت موقعك السياسي لتحقيق مكسب ما؟

يأخذ عليّ أصدقائي براعتي في السياسة وفشلي في التجارة وجني المال.وقد أصابوا بتقديرهم إذ قمت بإقفال مكتب المحاماة فخسرت كل الموكلين من أجل قدسية رسالة النيابة والشأن العام. لم أستثمر يوماً موقعي لتحقيق غاية خاصة، لكنني أسعى إلى تحقيق مكاسب كثيرة لأناس كثيرين. ويكفيني فخراً احترامهم لي. لا أنكر أن الحياة السياسية مكلفة وتتطلب الإنفاق المستمر كما أنني مقتنع أن التضحية في سبيل الآخرين وحدها لا تكفي لتأمين المعيشة. إنما “هذا أنا” ولم أتمكّن من السير عكس قناعاتي التي استمديتها من عاداتنا وتقاليدنا.

ما الذي يستفزك؟

على الصعيد الشخصي  يستفزني نواح المرأة والخيانة ونكران الجميل.

أما على الصعيد السياسي فيستفزني الأناني والسياسي الكذوب.

كيف تصف:

الرئيس أمين الجميّل؟

مثالي الأعلى.

الجنرال ميشال عون ؟

 الخيبة الأكبر في السياسة.

الزعيم وليد جنبلاط؟

 شاطر .

دولة الرئيس نبيه بري ؟

ذكي جداً وخفيف الظلّ.

في زمننا المتفلت بات قول الحقيقة والإستشهاد مرادفان لمعنى واحد ونتيجة واحدة. متى تتريّث في قول الحقيقة كاملة؟

أقوى دائماً على قول الحقيقة كما هي وبلا رتوش، لكني أتريّث أحياناً عندما أرى أنها ستؤدي إلى شرخ عميق فأحاول قدر المستطاع أن لا أقطع شعرة معاوية. ولكوني في دائرة الإغتيالات إلا أنني لست بجبان لأنتخب نائباً وأختبئ، لذلك قررت أن أبقى بين الناس ومعهم محمياً بإرادة الله.

هل تؤيد تكرار تجربة انتخاب رئيسِ توافقيِّ؟

على الرغم من أن الرئيس ميشال سليمان أتى نتيجة انتخاب توافقي، غير أنه غادر بالتوافق لأنه اتخذ موقفاً وقال “الحقيقة” وبالتالي لا يستطيع رئيسٌ أن يحكم دون تسجيل موقف يُحكم عليه.

من تراه الأفضل أن يكون رئيساً للجمهورية؟

أرى في الأفق وجود تسوية تأتي برئيس لا حول له ولا قوة لأن هذا هو لبنان. أما إذا سألتني عن ما أريد أو أتمنى أن يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية فأقول لك بكل فخر واعتزاز الرئيس أمين الجميّل.

قضية أخي نصري لن تنتهي قبل إحقاق العدالة…

علام تتحسر؟

أتحسر على أنني لم أتزوج في سنّ العشرين ولم أؤسس عائلة. أتحسّر على أنني انجذبت إلى عالم السياسة حتى الثمالة . أتحسّر على أنني تحالفت في وقت مضى مع أشخاصِ غصباً عني ما كان يجب أن أتلوث بهم أبداً.

أين العاطفة في حياتك؟

العاطفة تسكنني وتتغلب عليّ في أكثر الأحيان فمن السهل أن أحبّ ومن الصعب أن أنسى. ولو أنني انصعت للعاطفة في التجربة الأخيرة لكنت الآن متزوجاً، لكنني انصعت للعقل. اليوم أنا بحاجة إلى امرأة تتحلّى بمواصفات معيّنة تناسب عمري وتُدرك طبيعة عملي لذلك لم تتكلل علاقة الحب السابقة بالزواج خوفاً من عرقلة حياة الشريكة المهنية لذا لملمت  جراحي واتخذت قراراً بالإنفصال لكنني أعترف أنني أحببتها…!

إذا متى ستعيد التجربة ثانية؟

أتمنى أن أتزوج اليوم قبل الغد لتأسيس عائلة تحتضن أحلامي وتحفظ استقراري.

بماذا تعد شقيقك نصري الغائب الحاضر؟

بغياب نصري فقدت أباً روحياً وشقيقاً عزيزاً سماته التميّز فكراً وقيماً ونشاطاً نترحم عليه لدوره الإنساني  والإجتماعي والثقافي على يده تلقنت معاني المثابرة والكفاح. كان نصري يستحق أن يحيا حياة أفضل لكنه استشهد بلا سبب. عاش ومات فقيراً لكن قلمه أغنى عقولاً كثيرة. أشعر أنه مظلوم لذا أعده بأن اسمه سيظل مشعاً وأن قضيته لن تنتهي قبل إحقاق العدالة. وأن العائلة ستبقى على تماسكها ووحدتها كما عهدها إلى حين اللقاء.

– رسالة تتوجّه بها إلى محبيك؟

سأقول لهم أنني ما زلت كما عرفتموني مكرّساً حياتي لكم.. ومهما طالني الظلم والإفتراء لن أظلم ولن أفتري؛ وسأبقى أميناُ على الرسالة التي أسندت إليّ لأكون دائماً وأبداً عند حسن ظنكم. أما لبنانياً فعهدي أن أكمل المسيرة مهما اعترضتني الصعاب لنصل إلى لبنان الدولة، دولة القانون والمؤسسات، لبنان الدولة الحضارية من أجلنا جميعاً.

– تمنياتك للوالدة؟

أتمنى أن تظلّ مقاومة لتبقى إلى جانبنا سنداً حنوناً. وهي تعلم جيداً أنني أحبها كثيراً وأنا بدوري أعلم أنها تحبني أكثر. مسرورٌ أنني رفعت رأسها كما هي رفعت رأسي فهي الأمّ التي وثّرت لنا درب الإيمان والمحبة…

ليندا زين الدين