تعتبر بلدة الشياح الواقعة في قضاء بعبدا، محافظة جبل لبنان، همزة وصل بين بيروت والمتن الجنوبي والجبل نظراً لموقعها الجغرافي والطرقات الدولية التي تمر بها، نذكر منها:
بولفار كميل شمعون، بولفار ميشال زكور، طريق المطار، طريق صيدا القديمة. تضج البلدة بالمباني والمصارف والشركات والمؤسسات التجارية والمستشفيات والكنائس والدوائر الرسمية. يبلغ عدد سكانها المسجلين 65000 نسمة، أما عدد الناخبين فهو 11000 نسمة. تمتد على مساحة 2،1كيلومتر مربع، وتشهد كثافة سكانية ملحوظة حيث يبلغ عدد الوحدات حوالي 13000 وحدة سكنية.
بدأت الحركة العمرانية في المنطقة حوالي العام 1800 عندما كانت قرى الشياح وفرن الشباك وبرج البراجنة تنمو مع قدوم المهاجرين من جبل لبنان والبقاع والجنوب. في أواخر سنوات 1800 كانت الشياح تضم أحياء عديدة كالكنيسة وكرم الزيتون وعين الرمانة وبئر العبد والغبيري وبئر حسن ومنطقة الجناح الرملية المحاذية للبحر.
شهدت حركة سكانية واسعة جراء التحولات التي طرأت عليها وموجات التهجير المتكررة منها وإليها. أوّلها يعود الى فترة الإنتداب خلال سنوات العشرينات عندما انتقل عدد من العائلات الشيعية من بعلبك واستقرت في ضواحيها وشكّلواآنذاك حي الغبيري. مع نمو دور بيروت كمركز سياسي وإقتصادي جذبت الشياح القادمين الجدد من الجنوب والجبل خلال الخمسينات، وقد وصل عدد المهاجرين الى المنطقة الى حوالي ال 22000 مهاجر مما ساهم في عمرانها وتحوّلها واحدة من ضواحي العاصمة. أثناء التحولات المتعاقبة، انفصلت إدارة بلدية الغبيري عن الشياح واختلفت عنها في تكوينها العمراني والأهلي والإجتماعي.
المرحلة الثانية من التهجير كانت أكبر حجماً وهي مرحلة اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 والتي انطلقت من الشياح جرّاءها، أصبح هناك شرخ بين عين الرمانة والشياح وثم تثبيت عين الرمانة على أنها منطقة مسيحية. أما ثالث مرحلة من النزوح السكاني، كانت في السنوات ما بعد الحرب الأهلية وقد تزامنت مع سياسة ما بعد الحرب التي عملت على استفادة المالكين الأساسيين للبيوت التي سكنها المهجرون. وبعد اقتطاع الغبيري وبئر حسن مع قسم من الجناح وجعلها بلدة قائمة بذاتها وإنشاء بلدية خاصة لها أصبحت حدودالشياح أضيق. فباتت تحدها الحامية شرقا، الغبيري غربا، بيروت وفرن الشباك شمالا، حارة حريك والحدث جنوباً.
شهدت بداية الحرب اللبنانية وتحولت الى خط تماس ما جعل مبانيها تتعرض للقصف وسكانها المستأجرون للتهجيرعند نهاية الحرب الأهلية لم يستطع السكان من العودة الى بيوتهم التي كانت مصدّعة وعُرضة للقصف لسنوات عديدة، فخيّم على البلدة مظاهر الإهمال والحرمان.
تأسّست بلدية الشياح عام 1890، وكانت مركزاً لأربع وزارات أساسية في الدولة اللبنانية: الأشغال العامة، العمل، الموارد المائية والكهربائية والزراعة أي ما يشكل المرافق الأساسية للدولة اللبنانية. يترأس المجلس البلدي اليوم الأستاذ ادمون غاريوس الذي عمد الى بلسمت جراح البلدة وإعادتها الى سابق عهدها وإعمارها إقتصادياً، إنمائياً،إجتماعياً وثقافياً بعد أن توالت عليها النكبات والنكسات. للبلدية عدّة لجان مؤلفة من أصحاب الإختصاص، تدرس المشاريع وتحضّرها وتطرحها على الهيئة العامة لإقرارها. وهي: لجنة الصحة، اللجنة الإجتماعية، اللجنة البيئية، اللجنة الثقافية، لجنة الأشغال، اللجنة الزراعية، لجنة المناقصات، لجنة استدراج العروض، لجنة الشؤون الهندسية، لجنة السير، لجنة الإعلام، اللجنة الزراعية، اللجنة المالية، اللجنة القانونية، ولجنة الاستلام.
وضع غاريوس خطة إنمائية استراتيجية منذ أن تولى مهامه تهدف الى تنمية موارد الشياح وقدرتها الطبيعية والبشرية والمالية، فضلاً عن جملة مشاريع تنسجم مع الواقع وتسهم في نمو المنطقة. استطاع بالتعاون مع أعضاء المجلس البلدي من تحويل البلدة الى منطقة نموذجية. فحين نتأمّل مسار الإنماء الراهن في بلدة الشياح، لا بدّ أن نتوقف أمام ظاهرة لافتة، تتمثل في شيوع العديد من مظاهر الحداثة التي تتجلى في تأهيل كافة البنى التحتية من ترميم طرقات وشوارع كاملة وإعادة هيكلتها،… بغية تحويلها الى شوارع صديقة للبيئة، وإنشاء حدائق عامة وإنشاء ملعب رياضي لكرة القدم، بالإضافة الى إنشاء مواقف للسيارات، وبناء المراكز الإجتماعية ومركز الرعاية الصحية والمنشآت الرياضية…دون إهمال مسار التنمية البشرية لمصلحة تنمية الحجر.
وإيماناً منه بأن الإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى التي تدور حوله كل أنواع التنمية، حظيت التنمية البشرية بالأولوية القصوى من برنامجه. فعلى الصعيد الرياضي، قام ببناء وتجهيز نادي الشياح الرياضي بكافة المستلزمات الرياضية من أجل النهوض بالشباب من خلال تنمية قدراتهم البدنية التي يحتاجونها وإبرازها. كما يشمل على أكاديمية لتعليم الأطفال الراغبين بممارسة رياضة كرة السلة، كرة الطائرة، وكرة القدم. واللافت أن إقبال الشباب على النادي هوفي تصاعد دائم.
وانطلاقاً من حرص المجلس البلدي على تعزيز دور مراكز الرعاية الصحية الأولية في ارتباطها بعملية التنمية المجتمعية في تأمين العدالة من المنظور الصحي، أنشأ غاريوس مركز الرعاية الصحية الأولية بهدف مساعدة المرضى وتخفيف عبء الفاتورة الصحية المرتفعة عن كاهل المواطن لا سيما في غياب سياسة صحية شاملة لوزارة الصحة، وقد تم تجهيزه بالمعدات الطبيّة الحديثة. ومع الوقت أتّسعت خدماته وأصبح يستقطب ما لا يقل عن 500 مريض شهرياً يستفيدون من مختلف اللقاحات والفحوصات بأقل كلفة ممكنة. الى جانب تأمين الأدوية للأمراض المزمنة وغير المزمنة بأسعار رمزية شبه مجانية. علماً ،أنه يضم عيادة لطب الأسنان وطب العيون ومختبر، وتجدر الإشارة الى أنه يناوب في المركز أطباء من مختلف الإختصاصات.
كذلك، بذل المجلس البلدي الجهود من أجل رعاية المسن عن طريق تنفيذ الكثير من البرامج والنشاطات الترفيهية وتوفير الطمأنينة له بعيداً عن هواجس الخوف والتهميش والعزلة والفراغ، الى جانب دمجه في محيطه الإجتماعي وتأمينه بأكبر قدر من الرفاه. وللغاية، خُصّص الطابق الثاني من مركز الرعاية الصحية الأولية لهذا الغرض، فلم يعد شأن كبير السن عالة على مجتمعه وعبئاً على الدولة كما كان من قبل.
وفي الإطار الإنساني، يتم تقديم المساعدات الإجتماعية للأفراد والعائلات والمدارس والجمعيات، فضلاً عن تغطية نفقات استشفاء ودخول مستشفى…ومن خلال المكتب الإجتماعي البلدي الذي يعمل على التشبيك مع المجتمع المحلي بهدف تأمين التمويل للنشاطات المقترحة في سياق التنمية المحلية، تم خلق نشاطات متنوعة هادفة، كمشروع المخيم الصيفي للأطفال، مشروع “نادي النوادي”، مشروع التوأمة مع بلدية سيانو في إيطاليا، إضافة الى وضع برامج تنموية أخرى، كبرنامج دعم التكامل الإجتماعي- الصحي، برنامج جمعية المدن المتحدة في لبنان/ المكتب التقني للبلديات اللبنانية، مشروع ” ما تزت الزيت”، الذي يشجع على جمع وإعادة تدوير الزيت المستخدم في المنازل، “برنامج بلدي ” المموّل من وكالة التنمية الأميركية والمنفّذ من قبل ” كاريتاس” لبنان، مشروع “تحلية المياه”، مشروع “أنا زغير وحقي كبير” التوعوي المنفّذ مع مدارس المنطقة،…الى ذلك، تولي البلدية اهتماماً بالناحية البيئية، حيث قام فريق عمل تابع للبلدية بفرز النفايات الصلبة.
وككل عام، وبفضل مساعي المجلس البلدي أُقيم مهرجان الشياح السياحي السنوي، الذي تميّز بحسن الإدارة والتنظيم والذي ساهم بالتعريف بثقافة وتاريخ المنطقة بعد أن لجأ القيّمون عليه الى التحديث والتطوير المتواصل لفعاليات وبرامج المناسبة من أجل جذب واستقطاب أكبر عدد من الزائرين والتأكيدعلى ضرورة نشر وإحياء تراث المنطقة العريق.