قد يتساءل البعض عن مكامن نجاحها وجرأتها وقوة شخصيتها، وقد يعجب البعض باستمراريتها وصمودها في زمن اختلط الأصيل بالمزيف وفي مرحلة فنية عصيبة، باتت عشوائية “فبركة النجوم” من المسلّمات فيها حيث أطيحت بالمعايير لصالح الربح السريع إلّا أنّ الجواب يكمن في طينتها المجبولة بمبادئ والد أرسى في نفسها العزة وبثّ في أخلاقها المكارم، وكان لها الحصن المنيع حتى الرمق الأخير.
هي انعكاس النجمة التي صنعتها تجربة معايشة الحرب اللبنانية على مشارف بزوغ فجر موهبتها المتفجرة.
هي التي سعت نحو مضامين عميقة لتجسّدها، كالتي تتناول قضايا إنسانية تمسّ صلب الواقع الاجتماعي.
هي المخضرمة بكل الفنون والمقنعة بكل الأدوار والراقية ف بكل أداء.
كارلا بطرس طفلة الأمس بأحلامها وامرأة اليوم بنجاحاتها.
في جلسة وديّة استضفتها للوقوف عند محطات تجربتها الحياتية والتمثيلية. فكان هذا الحوار.
حاورتها: ليندا زين الدين
– من شجّعك على خوض غمار عالم الفن؟
والدي شجعني على الغناء بلغات مختلفة وعلى التمثيل لأنه آمن بموهبتي التي كانت تتبلور يوماً بعد يوم وتتنامى في داخلي إلى أن ثبّت خطواتي ودعمتها بنصائحه وخبرته الحياتية وإرشاداته المتواصلة.
– بين التمثيل والغناء وعرض الأزياء، أين وجدت نفسك أكثر ولماذا؟
وجدت نفسي في الاستعراض الفني الذي يشمل فنوناً عديدة حيث يستطيع الممثل تفجير طاقاته والتحرر من بعض القيود، كما أن التفاعل المباشر مع الجمهور يزيده قوة وعطاء من خلال التماس الفنان تجاوبهم.
– برأيك، هل أنصفك الفن قياساً لموهبتك؟
أبداً، وهذا الاجحاف لا يطالني شخصياً فقط، إنما هو واقع الحال للعديد من الفنانين الممتازين الذين لم يأخذوا فرصتهم الذهبية بعد، نظراً للوساطات التي تفسح المجال لآخرين أقل خبرة وموهبة.
– بمَ تتميّز كارلا بطرس عن سواها؟
أعتقد أنني أتميز بنفسيتي، فقد نشأت في كنف عائلة مثالية تحضن أولادها وخالية من الشوائب والعِقد.
– هل أنتِ راضية عمّا حققته حتى الآن أم تجدين أنّ الكفاءة وحدها لا تكفي في زمن رخصت الصورة وانتشرت المحسوبيات؟
مقارنة بما تعرّضت له من أزمات ومصاعب وعراقيل، نعم أنا راضية عمّا حققته. أمّا بالنسبة للكفاءة، فهي في بعض الأحيان غير مطلوبة، لأنّ عصرنا طغت عليه “رتوش” سطحية أغرقت المضمون بقشور تافهة.
– مجال التمثيل وعرض الأزياء يهوى فتيات صغار السن. هل يراودك هاجس العمر؟ وكيف تتعاملين مع فكرة التقدم بالسن؟
لكل مرحلة من عمرنا جمالها وخصوصيتها، فكما أدّيت دور الفتاة المغناج في مقتبل عمري ودور المرأة الناضجة في هذه السن، كذلك أستطيع تأدية دور الجدة في مرحلة الشيخوخة. لا وجود للخلود على الأرض وقد خلقنا بشراً وعلينا أن نتأقلم مع فصول حياتنا المتنوعة بربيعها وخريفها، وأنا شخصياً أتعامل مع فكرة التقدم في العمر بكل موضوعية، لأن جمالنا الداخلي وحده الذي يبقى على امتداد الأدوار.
– العروضات المشبوهة والإغراءات التي تهيمن على الوسط الفني، هل من الممكن أن تؤثر على ثوابت ومبادئ الفنان. وكيف تحصّنت منها؟
في الزمن الحالي، تؤثر هذه العروضات على مبادئ الفنان، فقد بات الجميع يسعى وراء الربح السريع، إنّما توجد نخبة لا تُمسّ ثوابتها مهما عصفت بها رياح الإغراءات المادية. أمّا فيما يخصّني، فتربية والدي شكلت لي سداً منيعاً أحتمي به عند بعض الهزات.
– من هم الأصدقاء الزملاء الذين ترتاحين في العمل معهم؟
كثيرون، ومنهم: يوسف حداد، ورد الخال، مجدي مشموشي، شكري أنيس فاخوري، كارولين ميلان، كلوديا مرشليان، ألين لحود وغيرهم…
– أدّيت أدوارا جريئة ومركّبة، فأين ترسمين حدود جرأتك؟
ليس للجرأة حدود ما دامت تخدم الرسالة التي يودٌ الكاتب توجيهها. فدوري في “مدام كارمن” جسّد حالة واقعية تسلطّ الضوء على ظلم المجتمع لشريحة كبيرة من النساء اللواتي نبذتهن الحياة جرٌاء واقع اجتماعي معيّن.
– كيف تتعايشين مع الشخصية التي تقدمينها؟
أتعايش معها وفق تأثري بالنص، وأسعى إلى التفتيش في حنايا ذاتي عن قواسم مشتركة تشبهها لتعزيز الأداء وتفعيله.
– ماذا تعني لكِ الجوائز؟
لا شيء لأنها تباع وتُشترى وأنا مقتنعة بمقدرتي التمثيلية بمعزل عن الجوائز المزيفة وأعتبر أنّ جائزتي الحقيقية هي تقدير الجمهور، فنظرة إعجابهم بي وتهنئتهم لي تكفياني، وهذا خير دليل على نجاحي.
– تعنيف المرأة يأخذ أشكالاً مختلفة من الإستغلال والإعتداء الجسدي وسوء المعاملة… أي من حالات التعنيف ترغبين في تجسيدها عبر التمثيل؟
سبق أن لعبت دور المرأة المعنّفة في مسلسل “مدام كارمن” التي مورست عليها تعديات أليمة لدرجة أنها فقدت حياتها تحت وطأة التعذيب والتعنيف.
– ما المؤسسة الإجتماعية التي تفضلين ترأسها؟
مؤسسة تُعنى بحوادث السير والسلامة العامة.
– شاء القدر أن تعايشي الحزن بتلاوين مختلفة وتفقدي أعزاء مقرّبين، فهل هذه التجربة تمدّ الفنان بقوة إضافية أم تنهك عزيمته على المُضي قدماً والنهوض من جديد؟
طبعاً تمدّه بقوة إضافية لأنّ الفنان حساس بطبعه أكثر من غيره ويستنبط من مآسيه وأحزانه التي يشعر بها الغير، فعليه دائماً أن يكون متأهّباً لأداء الأدوار مهما اشتدت عليه المصاعب، وهذا ما يشكل لي غالباً دافعا قويا للنهوض والاستمرارية.
– ماذا تقولين اليوم للأب الراحل لبيب بطرس؟
(تقول بغصّة) أتمنى أن أكون عند حسن ظنه.
– لبناتك؟
أن يتسلحن بالوعي والإدراك الكلي وأن يعتمدن على أنفسهنّ في كل الاختبارات.
– للمعجبين؟
أشكر محبتهم وتقديرهم لشخصي وفني وأعدهم بتقديم الأفضل دائماً.
– هل تعتبرين اليوم أنك تناضلين من أجل بناتك لتعوضي عليهن فقدان الأب؟
الحياة بمجملها نضال متواصل، إنّما شاءت الظروف أن أضاعف مسؤولياتي تجاههن باكراً وهذا واجبي.
– أين أنت من فكرة الزواج للمرة الثانية؟
ليست واردة، فقد كرّست نفسي لبناتي وأسعى جاهدة لتأمين حياة طبيعية لهنّ هادئة وبعيدة عن العقد الاجتماعية.
– ماذا بقي من طفولة كارلا بطرس؟
الحرب اللبنانية التي عايشتها منذ طفولتي، فعلى الرغم من أنها سلبت أحلامي غير أنها زادتني قوة وشجاعة على مواجهة صعوبات دربي الطويل.
– ماذا تتمنّين على الصعيد الفني؟
أتمنى على المنتجين أن يستثمروا طاقات الفنانين الموهوبين مع اللجوء إلى الأصيلين منهم ومنحهم الفرص التي يستحقونها عن جدارة.