ككل ذوات الماضي العريق والمستقبل الواعد، تستقبلك بلدة الفرزل أو” عاصمة الكثلكة” المتأصلة في التاريخ استقبال الحفاوة المكللة بخير المواسم. قصصها وحكاياتها اختذلتها آثارها المحفورة في قلب حقبات تاريخية مختلفة.
أبنائها كرماء، طيبون يتحلون بالتعاضد والتكاتف، شجعان صمدوا في وجه الاجتياحات والتهجير، فهم يحسبون للدهر ألف حساب ولعدوهم الآلاف. واجهتهم العديد من الصعوبات على مر العصور، ولأن الحياة لا تليق إلا لأمثالهم جاهدوا وقاوموا متحدين الغزاة بشموخ وكرامة.
على السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية، ترقد البلدة الوادعة في نقطة متوسطة بين شمال البقاع وجنوبه. تحدها من الجنوب المعلقة، زحلة، الكرك ووادي العرائش. من الشمال، النبي أيلا، أبلح، نيحا وتل عمارة. من الشرق، حوش حالا، تربل والدلهمية. ومن الغرب، قاع الريم.
تبعد عن مركز القضاء 8 كلم وعن العاصمة بيروت حوالي 58 كلم. كما تعلو 975 م عن سطح البحر. وفي ال 19 ألف دونم من مساحتها الدائمة الخضرة مشاعات من الإلفة والحضور.
والفُرزل في اللغة العربية تعني الرجل الضخم، والفِرزل، تعني الآلة التي يقطع بواسطتها الحديد وقد وردت الإشارة الى تاريخ الفرزل القديم في تاريخ بعلبك لمؤلفه ميخائيل ألوف الذي قال أنها قد تكون ” مارسينما مسين” المذكورة في تاريخ المسيحيين الأولين. أما اسكندر المعلوف فيقول ” إن اسم الفرزل هو ربما من كلمة برزل الفينيقية أو السريانية، وكلتاهما تعنيان الحديد”.
أرض الفرزل غنية بمزروعاتها وتربتها الخصبة وهي موزعة بين السهل والجرد، إذ أن 18 ألف دونم من أراضيها مزروعة بمختلف أنواع الثمار، إلا أن زراعة الكرمة تغلب في البلدة التي تشتهر بجودة هذا الإنتاج وبالتالي بصناعة العرق الفاخر. أما باقي الإنتاج الزراعي فيتوزع بين الكرز واللوز والفاكهة الصيفية وبعض الخضار التي تستهلك محلياً. ويلعب نهر الليطاني الذي يخترق أراضي الفرزل في السهل قرب تربل دوراً مهماً في ري المساحات الزراعية.
استقطبت البلدة السكان منذ القدم، فقد تركت الشعوب القديمة فيها آثاراً منها نقوش الحبيس والمسلاّت المصرية والقلعة الرومانية الى بقايا الأديرة …ثم تتابعت الهجرات اليها مع بداية العصور المسيحية الأولى، إذ أن مغاورها كانت ملجأ الهاربين من الاضطهاد، ثم جاءتها القبائل الحورانية القادمة أصلاً من الجزيرة العربية. واستمر توافد الأسر العربية إليها، إضافة الى عائلات نزحت من جبل لبنان اثر موجة الجوع التي عمّته بعد الحرب العالمية الأولى.
خلال الحكم التركي خضعت الفرزل لحكم الحرافشة أمراء بعلبك، فكانت عرضة للنزاعات والمشاكل التي أدت الى زحف الجيوش عليها من كل المناطق الشمالية ونهبها وحرقها ونزح أهاليها إما باتجاه زحلة أو بسكنتا. وقد تكررت عملية احراق البلدة سبع مرات، إحداها على يد الملك الظاهر في القرن الثالث عشر، ولا بد من القول أن الأهالي تشبثوا بأرضهم على رغم الصعاب التي مروا بها، إذ كانوا لا يلبثون أن يعودوا لبناء قريتهم والعمل مجدداً في الحقول بكل عناد وإصرار كأن شيئاً لم يكن، وبقيت الفرزل حدود الإمارة الحرفوشية ولم تعرف الراحة والطمأنية حتى ألحقت بلبنان الكبير وباتت قرية بقاعية هانئة.
تختزن البلدة آثاراً قديمة منها مجموعة مغاير تسمى ” مغاير الحبيس” وهي منحوتة في حائط شاهق صخوره مسننة وفجواته متساوية ومنتظمة كالنوافذ لأنها من صنع الإنسان ولكل مغارة مخرج واحد يشكل نافذة للمغرة في الوقت عينه. وللوصول الى هذه المغاور ينبغي سلوك سلم حجري صلب.
ومن المعروف أن النساك الحبساء سكنوا هذه المغاور منذ عهد الفينيقيين. والملفت أن موقع الحبيس يشكل حماية طبيعية للإنسان، فالمياه فيها تنساب بواسطة أقنية صنعت خصيصاً لتروي الحبساء. والى جهة اليمين من الجدار العالي ساحة واسعة تؤدي الى غرفة فسيحة تتضمن تسع فجوات محفورة في الجدران تشبه القبور الفينيقية ويطلق عليها الأهالي اسم “اسطبل”. وفوق مدخل الغرفة هناك كوة بشكل قوس قوطي يمثل آلهة السماء عند الساميين…كما نجد سلسلة من الصخور محفورة بشكل أدراج في آخرها صخرة كبيرة عليها نصب تذكاري يمثل رجل يمتطي جواداً تحيط برأسه هالة وعلى كتفه معطف يشبه الشال يقطف فاكهة تشبه التفاحة ، وأمامه امرأة عارية تحمل عنقوداً من العنب.
وقد بنى النساك الرومان قلعة رومانية لكنها مطمورة تحت التراب وبعض حجارتها لا تزال ظاهرة للعيان على بعض منها كتابات لاتينية ترجمتها” لي أعطيت السلطة”. وهناك أيضاً قلعة ثانية تقع في إحدى تلال البلدة والقلعتان متصلتان ببعضهما بواسطة نفق يقع تحت الأرض. كما يوجد بقايا دير مار سركيس في وسط البلدة وقد قيل أنه أُنشىء في الجيل الخامس وسيّم فيه أول مطران على الفرزل. وفي محلة مريقص دير مار مرقص يعود للعصر البيزنطي في القرن السادس لم يتبقى منه غير قبّة وأمه “بيدر الميدان” الذي كان ميداناً لسباق الخيل.
كذلك، تحتوي الفرزل كنيستان رئيسيتان، الأولى على اسم ” سيدة النياح” ويحتفل بعيدها في 15 آب من كل عام . أما الكنيسة الثانية ، فقد بنيت لاحقاً وهي على اسم “سيدة البشارة” ويحتفل بعيدها في 25 آذار من كل عام.
تضم البلدة الكثير من العائلات منها، حنا، فرح، سيدة، مهنا، جرجس، شحادة، نصرالله، شديد، عنتر، شلهوب، صعب، متى، غصان، منصور، مساعد، مزرعاني، صدناوي، مطر عبيد، أبو ناضر، أبو نطون، أبو خليل، أبو زيدان، أبو شعيا، أبو فرح، أعزان، الخوري، الخولي، الزمار، الزين، السبّاك، المر، المعلوف، النوح، تنوري، جبرا، رحمة، سابا، سعد، شبوع، عبدو، راشد، عساف وقاصوف. وتنتمي معظم عائلاتها الى طائفة الروم الكاثوليك والموارنة والروم الأرثوذكس.
وفي الفرزل مجلس بلدي منتخب من 15 عضواً برئاسة ملحم الغصان. وكذلك يوجد فيها ثلاثة مخاتير.
حرص الغصان على استغلال كل لحظة من شأنها إنماء البلدة على رغم التحديات التي تربصت له والعقبات التي تسابقت من كل حدب وصوب. وعمل بكل حزم على إيجاد الحلول الناجعة لمشاكل أبناء بلدته لذلك حصد محبتهم واحترامهم.
ففي إطار الاشغال واعمال البنى التحتية، أنشأ شبكة حديثة لامدادات المياه لكل البلدة بالتعاون مع وزارة الطاقة، إيمانا منه بأهمية عنصر الماء الذي يعتبر مورداً طبيعياً أساسياً، وضرورة من ضرورات الحياة. وفي الإطار عينه، قام بحفر بئر ارتوازي لمياه الشفه والعمل جارٍ أيضاًعلى إنشاء خزان مياه بدعم من اليو اس أيد. كذلك، تم تزفيت الطرقات التي تعرضت لأضرار جسيمة نتيجة العواصف التي ضربت لبنان هذا العام والانهيارات.
كما قام بتوسيع شبكات محطة تكرير الصرف الصحي، وفقاً للحاجة من أجل إجراء معالجة شاملة لمشكلة المياه الآسنة والتلوث الناتج عنها والحفاظ على سلامة التربة.
على الصعيد الزراعي لا يتوانى الغصان عن تقديم يد العون للمزارعين وتأمين الاسواق لتصريف منتجاتهم، والوقوف عند التحديات التي تواجههم، معتبرا أن الزراعة تحتاج معابر برية لتنظيم تصديرها الى الخارج.
وحفاظاً على توجيه الشباب وطاقاتهم،يعمل على دعم نادي الفرزل الرياضي ونادي أطلس، كما يسعى لتوحيد النوادي الرياضية في الفرزل في خطوة استراتيجية لتفعيل الرياضة بعد أن تأهل نادي الأطلس الى الدرجة الأولى في كرة السلة. وفي السياق ذاته، يعمل جاهداً لإنشاء مجمع رياضي بلدي بهدف الاهتمام بمواهب الشباب وميولهم، إذ يعتبر أن إهمال طاقتهم الجسدية والفكرية مسألة خطيرة وقد تنعكس على حياة الفرد انعكاساً سلبياً.
وفي الإطار الإنساني، وانطلاقاً من حرص المجلس البلدي على تفعيل القطاع الصحي، يتم دعم مستوصف البلدة بشكل مستمر وتأمين التجهيزات والمعدات الطبية الحديثة وأجهزة التصوير الشعاعية، وبات يستقطب المستوصف اليوم عدداً كبيراً من المرضى الذين يستفيدون من مختلف الفحوصات بأقل كلفة ممكنة، وتجدر الإشارة الى أنه يناوب في المركز أطباء من مختلف الاختصاصات.
من الناحية الثقافية، تولي البلدية اهتماماً ملحوظاً بالثقافة من خلال إحياء مهرجانات الفرزل التي تقام كل عام في ساحة كنيسة سيدة النياح، بغية نشر تراث المنطقة العريق وإبراز طابعها القروي وتقاليدها القديمة. يتضمن المهرجان عشاء قروياً وسهرات فنية بالإضافة الى نشاطات ترفيهية مسلّية والتي تبث في نفوس الأهالي الفرح والبهجة.