لماذا قرّر الحريري الاعتذار.. ولماذا تراجع؟

الدكتور شادي مسعد

لولا الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي ايف لودريان الى بيروت منتصف الاسبوع، لأمكن القول ان الوضع اللبناني لم يشهد أي جديد يُذكر على المستوى السياسي المرتبط بملف تشكيل الحكومة التي يُفترض ان تكون مهمتها الاساسية وقف الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي. لكن المفارقة، ان زيارة لودريان التي اعتبرت الحدث شبه الوحيد، لم تشكّل أي فارق حقيقي في المشهد اللبناني، باستثناء انها رسّخت فكرة ان فرنسا أصبحت شبه مقتنعة باستحالة الانقاذ من دون تغيير في موازين القوى السياسية في البلد. وهذا ما يفسر حصر اجتماعات الوزير الفرنسي برئيسي الجمهورية ومجلس النواب، في اطار لقاءات بروتوكولية ليس إلا، واستقباله رئيس الحكومة المكلف في قصر الصنوبر، بما يعني ان باريس لم تعد مهتمة بكل القوى السياسية، مقابل توسيع اطار رهانها على التغيير الممكن عبر المجموعات المعارضة التي شكلت ثورة 17 تشرين. هذه القناعة عكسها لودريان من خلال اجتماع مطوّل مع مجموعات معارضة، شارك فيه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، والنائبان المستقيلان ميشال معوض ونعمت افرام.

وفي ختام زيارته، ومن خلال المواقف التي اعلنها كان واضحاً ان الوزير الفرنسي جاء لتوجيه انذار أخير، ولإبلاغ المسؤولين بالعقوبات، مع وعد بتوسعة هذه العقوبات، وتعميمها لتشمل المجتمع الدولي. هذا الموقف اكد المؤكد لجهة فشل الجهود الفرنسية لاعادة احياء مبادرتها لانقاذ لبنان من الانهيار الكبير.

وكان لودريان أعطى اشارات بالنسبة الى أهداف زيارته الى بيروت من خلال تغريدة سبقت وصوله الى لبنان، قال فيها: «أزور لبنان حاملاً رسالة شديدة الحزم للمسؤولين اللبنانيين… سنتعامل بحزم مع الذين يعطّلون تشكيل الحكومة، واتّخذنا تدابير، وهذه ليست سوى البداية»

ولوحظ من خلال مجريات الزيارة، ان من التقاهم لودريان أفصحوا في بيانات عن مضمون ما قالوه للزائر، في حين لم يتم الافصاح عمّا قاله الوزير الفرنسي لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.

من جهته، أعلن القصر الجمهوري في بيان أن الرئيس عون عرض للوزير لودريان، «المراحل التي قطعتها عملية تشكيل الحكومة»، شارحاً «المسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية بموجب الدستور المؤتمن عليه ومسؤوليته في المحافظة على التوازن السياسي والطائفي خلال تشكيل الحكومة لضمان نيلها ثقة مجلس النواب»، مشيراً إلى «تكلفة الوقت الضائع لإنجاز عملية التشكيل».

وطلب رئيس الجمهورية من لودريان «مساعدة فرنسا خصوصاً، والدول الأوروبية عموما، في استعادة الأموال المهربة إلى الخارج»، مؤكداً أن ذلك «يساعد على تحقيق الإصلاحات وعلى ملاحقة من أساء استعمال الأموال العامة أو الأموال الأوروبية المقدمة إلى لبنان، أو هدر الأموال بالفساد أو بتبييضها، وذلك استنادا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».

وما زاد في منسوب التشاؤم، أن موقف حزب الله الذي يعتبر من القوى الاكثر تأثيرا في القرار اللبناني بدا غير متحمّس للمساعي الفرنسية. وانعكس هذا الموقف في مقدمة نشرة اخبار محطة «المنار» الناطقة باسم الحزب، والتي قالت: «اما الدعم الذي انتظره اللبنانيون على خط تشكيل الحكومة عبر زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان فقد رفعته فرنسا بالكامل عن مساعي تشكيل الحكومة، وجاء وزير خارجيتها متحدثاً بالعقوبات بحق المعرقلين لتشكيل الحكومة والمتورطين بالفساد. فهل هذه هي الغاية من الزيارة؟ وهل هكذا يكون العمل الفرنسي لانقاذ لبنان وشعبه واستيلاد حكومته»؟

الحكومة…وموقف الحريري

في سياق متصل، سبقت زيارة الوزير الفرنسي اجواء أوحت بأن الرئيس المكلف سعد الحريري قد يعتذر وينسحب من مهمة تشكيل الحكومة، رامياً الكرة في وجه معرقليه. وفي حين ربطت مصادر هذا الموقف باعتراض الحريري على عدم شمول برنامج لودريان زيارته، اكدت مصادر أخرى ان السبب مختلف تماماً.

وفي معلومات هذه المصادر أن الحريري علم بتغيير في الموقف الفرنسي حياله ينطلق من اقتناع باريس بأن تشكيل حكومة بوجود عون والحريري صار شبه مستحيل، وانه لا بد من استبعاد أحد الرجلين للنجاح بالمهمة. وقد وقع الخيار على الحريري لأن تنحيته اسهل وأقل كلفة. هذه الاجواء وصلت إلى الحريري، وعندما علم أن لودريان لن يزوره اعتبر انها اشارة قوية في اتجاه تخلي باريس عنه، فاشاع بين اوساطه نبأ احتمال اعتذاره. لكنه بدّل موقفه بناء على اتصالات مع الفرنسيين، وبعدما تمت تسوية أزمة اللقاء مع لودريان بالاستعاضة عن زيارة بيت الوسط بتنظيم لقاء للحريري مع الوزير الفرنسي في قصر الصنوبر.

وذكرت مصادر مقربة من الحريري «ان ألرئيس المكلف شعر مؤخراً بأن التراكمات المتعلقة بتعطيل الجهود لتشكيل الحكومة وضعت هذا الاستحقاق امام طريق محكم الاغلاق، وان قرار الاعتذار يتعلق بموضوع تشكيل الحكومة وفق المواصفات التي ينشدها الشعب وخارج اطار التعطيل من خلال بالثلث المعطل».

أزمات حياتية

في موازاة العقم في المشهد السياسي، استمر المشهد الاقتصادي والاجتماعي والحياتي على مساره الانحداري الخطير. ومع اقتراب نهاية شهر ايار، وهو الموعد الذي حدّده حاكم مصرف لبنان لوقف الدعم، بسبب نضوب الاموال، زاد القلق الشعبي، خصوصاً أن المواد الغذائية المدعومة بدأت تُفقد في الاسواق، الامر الذي فسّره البعض ببداية رفع الدعم، في حين ذكرت المعلومات ان الشح الاضافي يعود الى محاولات التجار حجب البضائع المدعومة في هذه الفترة لتحقيق ارباح اضافية فور صدور قرار رفع الدعم.

في الموازاة، ظل الحديث عن البطاقة التمويلية يراوح مكانه. ولم تُحسم حتى اللحظة اللوائح الاسمية للعائلات المستحقة لهذه البطاقة. في المقابل، يُخشى ان تؤدي البطاقة التمويلية الى أزمة أشد تعقيداً من الأزمة الحالية، بسبب احتمال نشوء طبقة فقيرة جديدة مكوّنة من العائلات التي لن يشملها توزيع البطاقات التمويلية، وستتحمّل التضخّم الخيالي الذي سينتج عن رفع الدعم.

إلى جانب الهم المعيشي المرتبط بتأمين لقمة العيش، برز هم تأمين الكهرباء، بعدما قرر المجلس الدستوري تجميد قانون سلفة الخزينة لكهرباء لبنان بانتظار البت بعملية الطعن التي تقدم بها نواب حزب القوات اللبنانية ونواب اللقاء الديمقراطي. وسيؤدي تجميد قانون السلفة الى نشر العتمة التدريجية ابتداء من 15 أيار الجاري. إلى ذلك أفادت مؤسسة كهرباء لبنان بأنها ستضطر حالياً إلى تخفيض إنتاجها قسرياً لإطالة فترة إنتاج الطاقة قدر المستطاع ريثما يتضح مسار الأمور، بما سينعكس سلباً على ساعات التغذية في جميع المناطق اللبنانية بما فيها منطقة بيروت الإدارية.

كذلك استمر القلق المتعلق بقرار السعودية وقف استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية. وبدلا من وضع حد لهذا القرار، أصدرت السلطات السعودية قرارات اضافية بزيادة بعض المنتجات الصناعية المتعلقة بالصناعة الغذائية على لائحة منع الدخول. ويبدو أن الموقف السعودي نابع من عدم الاقتناع بالاجراءات التي اعلنت السلطات اللبنانية عن اتخاذها لمكافحة التهريب. وقد أفادت وزارة الداخلية انه من خلال التحقيق مع الموقوف حسن دقّو تبيّن أنه متورّط في تهريب أكبر شحنة مخدّرات في العالم والتي تقدّر بحوالي 94 مليون حبّة كبتاغون ضبطت في ماليزيا وكانت متوجهة الى المملكة العربية السعودية.

ترسيم الحدود

في ملف ترسيم الحدود البحرية، وبعدما شاعت أجواء تفاؤلية بسبب استئناف هذه المفاوضات، تراجع منسوب التفاؤل وتحول إلى تشاؤم، بسبب وقف المفاوضات بعد عقد الاجتماع الاول. وفيما تمسّك الوفد اللبناني في الناقورة بالخط 29، الامر الذي رفضه الجانبان الاميركي والاسرائيلي، تمّ تأجيل الجولة السادسة من المفاوضات إلى موعد لم يُحدّد، ربما في انتظار اتصالات قال رئيس الجمهورية انه سيجريها مع الوسيط الاميركي جون دوروشيه.

وفي السياق، أكّدت معلومات صحافية أن وفداً أميركياً سيزور لبنان الاسبوع المقبل.
ولاحقاً، تطرق امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الى الملف، داعياً الحكومة اللبنانية الى التصرف على اساس انها تستند الى قوة حقيقية في اشارة الى قوة المقاومة. وذكّر نصرالله بما قاله في عام 2000 بعد التحرير أنه «نحن كمقاومة لا نتدخل ولن نتدخل في موضوع ترسيم الحدود». وقال: «نحن تدخلنا في موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعدما أكدت الدولة أنها لبنانية». أضاف: «فلتتحمل الدولة مسؤوليتها التاريخية في تحديد الحدود والحفاظ على حقوق الشعب اللبناني وأن تعتبر أنها تستند الى قوة حقيقية».

المصدر: السهم