أنطوان سلامه- صدر كتاب الكتروني جديد للزميل طلال شامي عن الحرب اللبنانية في مقاربة مغايرة عن الكتب والدراسات التي تناولت هذه الحرب في منطلقاتها ومساراتها وظواهرها.
الكتاب باللغة الإنجليزية بعنوان:WAR/FILM JUNKIES :THE HOLLYWOODIZATION OF THE LEBANESE CIVIL WAR(1981-1991)يمكن ترجمته ب”الحرب/المدمنون على الأفلام :”هلودة “الحرب الاهلية(١٩٨٢-١٩٩١).
الكتاب أصلا دراسة أكاديمية نال على أساسها شامي شهادة دكتورة في الجامعة الأميركية، وأصدرها كتابا الكترونيا لتعميم جهده الأكاديمي العميق في المدى الرقمي الحديث. (متاح في النسخة الإلكترونية على https://e-poetssociety.com/book/2289/war_film_junkies ).
تنطلق الدراسة من الحرب الأهلية في لبنان فيفصل شامي بين واقعها وبين المتخيّل فيها، واختار شامي التعمّق في أبطالها فجعل منهم مادة بحثية تفاجئ في ملامسة أدوارهم في ساحة الحرب على أنهم شخصيات تدمن الحرب والسينما في آن واحد.
هذا التداخل في فعل الإدمان بين الحرب كحقيقة تاريخية، وبين السينما كواقع متخيّل يجعل من الكتاب وثيقة نقدية لأبطال الحرب وللحرب بحدّ ذاتها.
السينما هي أساس الكتاب الذي يضفي على المحاربين مسحة جديدة من المقاربة، قد تكون أقرب الى أبطال من الميثولوجيا الاغريقية أو ، باللغة المعاصرة، أبطال سينما …
اختار شامي خطا واضحا في دراسته- الميدانية، وفي تحليله “الكلينيكي- السريري”، فركّز على الخلفية السينمائية في اندفاع المحاربين الى متاريس القتال. أبرز الهوس الهوليودي الذي يتحكّم في عدد من المحاربين اللبنانيين ، في مقارنة بين هؤلاء وأبطال أفلام ما بعد حرب فيتنام، مسترسلا في مقارنة في الأداء والتعبير والمظهر والسلوك.
وفي نقده المقارن يغوض شامي في العلم الإنساني الحديث متسلحا بمعرفتين: الحرب اللبنانية والسينما الأميركية في ارتباطها بحرب فيتنام تحديدا.
يتطلب النقد المقارن من الباحث معرفة مزدوجة حتما، وهذا النقد هو الأصعب الذي يتوغل في عالمين يتقاطعان في نقاط مشتركة، والمفاجئ في دراسة شامي أنّه يُقنع القارئ- بالشهادات الحية والوثائق البصرية- بأنّ شبها تكوّن بين عدد من المحاربين اللبنانيين وبين أبطال هوليوود.
يكمن محور التقاطع في الإدمان عند من تحولوا في الحرب اللبنانية الى “نجوم شوارع” تتقدم في بيئة حربية مرئية وملموسة ، فأعاد شامي صياغتها ظلالا تتحرّك في ضوء نظريات اجتماعية وسيكولوجية وسينمائية- فنية.
لا يدين شامي أبطال الحرب، ولا يهتم أصلا بالحرب كمسار خلافي في التقييم والاستنتاج، بل يتوغل في سيرة عدد من أبطالها بشكل أيقوني، يتناول الحرب وأبطالها كعيّنات بشرية تتصرّف في الشارع، وفي المتراس، وفي الحياة العامة، انطلاقا من الإدمان المزدوج الذي يخلط الحرب بالسينما، لا يعنيه في أبطال معارك الحرب الأهلية الا ما يتفاعل فيها من مؤثرات سينمائية، هوليوودية تحديدا.
من عاش الحرب اللبنانية، يقرأ الكتاب ويستعيد في الوقت نفسه ملامح محاربين رآهم.
ومن لم يعش هذه الحرب يتعرّف على وجه جديد من المقاتلين أو المحاربين، بعيدا من الشيطنة والتقديس، فيلج جوهرا جديدا في المقاتل الميلشياوي كشخصية تتفاعل في عصرها السينمائي.
استطاع شامي فصل المقاتل عن الصورة النمطية التي تكوّنت عنه في الحرب، والتي ركزّت عليها الدراسات على أنّه “الخارج عن القانون”، فجعله مغايرا عن هذه الصورة، توغل فيه درسا وبحثا من منظار جديد، هو السينما، من دون أن تفقد دراسته مقوّمات منهجية، خصوصا سيكولوجية حين أبرز فيها عنصر “الذكورية المفرطة” على حدّ تعبيره، وحين قارب شامي ذكورية الميلشياوي التي تميل الى الهيمنة، أظهر الجانب “المتوحش” فيه، وترك مسار الحوادث والسير تلفظ حكمها في الحرب من دون أن يتدخل هو، ككاتب أو باحث، في اطلاق الأحكام.
لم يٌصدر طلال شامي أحكاما مسبقة أو لاحقة في أبطال الحرب ونجومها بل ترك للروايات والشهادات والصور والأفلام أن تحكم.
يعتقد شامي، أنّ “الذكورية” أو “الرجولية” التي تدفع “الميلشياوي” الى القتال تساهم في ترجمة “المشهدية السينمائية” الى واقع، فيتقمّص المقاتل اللبناني شخصية بطل الفيلم الهوليوودي فيميل هذا المقاتل الى “تضخيم ذاته” في تقليده نجوم الشاشة العريضة…
في خلاصات شامي، انطلاقا من نماذج دراسية، أنّ أفلام الحرب الأميركية بعد حرب فيتنام عامل مهم في تحويل الحرب الأهلية اللبنانية الى “هوليوود” جديد.
هذه الهوليوودية في مشاهد الحرب خصوصا بين عامي ١٩٨١ و١٩٩١ يُبرزها شامي في نماذج- مقارنة، ينطلق منها الى ما هو أعمق حين يلاحق تأثيرات نجوم أفلام ما بعد حرب فيتنام، في المقاتلين اللبنانيين الذين يبرهن في دراسته أنّهم نسخ مضخّمة من “الذكورية المفرطة”.
والذكورية المفرطة كما يبرهن شامي بمنهجيته الملتزمة أكاديميا، تجعل من المقاتل اللبناني شخصا يتميّز عن غيره في سياق الحرب ويومياتها، لذلك شدّد شامي على إظهار “رجوليته- الذكورية “كدافع لممارسة العنف وكانعكاس لتأثره بأفلام أميركية، وفي هذا الاتجاه، يؤكد شامي أنّ هؤلاء المقاتلين الذين اصطفاهم في كتابه، شاهدوا في الواقع أفلاما عن الحرب الأميركية في مرحلة ما بعد فيتنام، فتماهوا مع أبطالها الى حدّ إحداث “تغييرات تدريجية” في أجسادهم تتماثل مع أبطال السينما بما يُطلق عليه شامي اسم ” التحوّل” و”التغيير- السحر” في جسم المقاتل الطامح الى التلاشي أو تقليد شخصية البطل السينمائي- الهوليوودي في ذكوريته التي تتجلى في عضلاته وجماله وصلابته…
في هذا المجال من المقارنة يغتني الكتاب بنصوص ومذكرات وشهادات وصور فوتوغرافية وأفلام وفيديو تمثّل ” مدمني” أفلام الحرب الخارقة كظواهر في الحرب الأهلية اللبنانية.
ما لاحقه طلال شامي في ظلال الحرب اللبنانية هو “رجال ميلشيات” شاهدوا أفلام الحرب، خلال أوقات فراغهم، فتأثروا بها، وحاولوا تقليدها.
الكتاب الالكتروني غني بالأسئلة التي حاول طلال شامي تفكيكها سريريا من خلال شخصيات ميلشياوية تأثرت بالسينما وتحولت الى “نجوم شوارع” لكنّها في المقابل والواقع “شخصيات قتل”، وعلى هذا الجانب المُظلم، من الحرب والمحارب، أضاء شامي استنادا الى شهادات مقاتلين التقاهم وحاورهم .
في الكتاب سيرة سينمائية لمقاتلين، وسيرة قاتلين أيضا.
فصل شامي بين القتال والقتل، بين السينما والواقع المتوحش للحرب، لكنّه يعود دوما الى ثنائية السينما والذكورية في تحليله “الرجولة المثالية” عند “الميلشياوي.
تجربة طلال شامي في اقتناص جانب من شخصية “الميلشياوي” تقدم خلطة شهية من البحث الاكاديمي الرصين والأسلوب الجذاب والشيّق، الا أنّ الاعتماد على “ذاكرة الحرب” واضحة وناجحة في دمج الخاص بالعام في كتاب لا بدّ أن يشكل مرجعا موثوقا في فهم جوانب اجتماعية- سيكولوجية- فنية لعدد من أبطال الحرب الاهلية في لبنان.
كتاب غنيّ بالوثائق المرئية والشهادات، وفيه يظهر طلال شامي باحثا ميدانيا، يُجيد تطبيق النظريات العلمية في أرض الواقع.
كتاب جذاب، شكلا ومضمونا، فيه بريق برغم أنّه يتناول الحرب اللبنانية التي غالى أبطالها في الوحشية لكنّ شامي يقارب هؤلاء بعين الباحث دوما عن ضوء في العتمة.
المصدر:Lebanontab.com