خضّة الـ 3 ساعات كادت تفجّر البلد

د. شادي مسعد

استحوذت الخضة القضائية-المالية التي تمثلت بقرار قضائي قضى بوقف العمل في التعميم الذي يسمح للمودعين بسحب الدولار على سعر 3900 ليرة، بالاضواء، بعدما كانت المساعي السياسية لاعادة اطلاق مسار تأليف الحكومة تستحوذ على الاهتمام الرسمي والشعبي في مطلع الاسبوع، على خلفية وجود بارقة أمل في امكان الخروج من المأزق. وقد تمّ تجاوز المأزق القضائي بمخرج تسووي هجين، اصاب كل الاطراف بالأضرار، في حين استمر مأزق تشكيل الحكومة يراوح مكانه، بل تضاءل منسوب التفاؤل الذي ساد في بداية انطلاق مبادرة رئيس المجلس نبيه بري. لكن البعض يعتبر ان مصرف لبنان عوّض هذه الخضة المجانية من خلال التعميم الذي أصدره والذي يقضي بالبدء في اعادة الودائع الصغيرة الى اصحابها بالدولار وبالليرة على سعر 12 الف ليرة للدولار.

على المستوى الحياتي، تضاعف منسوب القلق الشعبي حيال التهديدات المستمرة بوقف الدعم، بما يعني زيادة الاعباء المعيشية على المواطن بنسب مرتفعة ستساهم في نشر الفقر المدقع، وتزيد من احتمالات الاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي حتماً إلى اضطرابات أمنية. ولا تزال المحاولات التي تبذل للتوافق على كيفية ادارة ملف ترشيد الدعم غير واضحة رغم دخول رئيس الجمهورية على الخط، وسعيه إلى ايجاد حل لهذه المسألة. في المقابل، استمرت أزمة الكهرباء في التفاعل، واصبح خطر انقطاع التيار بشكل كامل مرجحاً في الايام المقبلة، إذا لم يطرأ أي جديد يغير المعطيات القائمة.

في الموازاة، شكّل تقرير البنك الدولي في توصيف الأزمة المالية والاقتصادية اللبنانية، كواحدة من اكبر ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، صدمة في الداخل اللبناني. وما ورد في تقرير البنك الدولي يعتبر بمثابة مضبطة اتهام للطبقة السياسية الحاكمة لجهة مسؤوليتها عن هذه الأزمة.

الملف الحكومي

على مستوى محاولات تحريك ملف التوافق لتشكيل الحكومة، انفرد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالوساطات من خلال احياء مبادرته القائمة على نظرية 24 وزيرا من دون ثلث معطل لأي طرف.

لكن المساعي التي بذلت انتهت إلى ما يشبه الفشل بعد حملة تصعيد متبادلة بين الطرفين المعنيين بالتشكيل، وهما الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

وذكرت مصادر متابعة أن الاتصالات، ورغم الفشل المبدئي، لم تتوقف منعاً للسقوط النهائي لمبادرة بري التي لا خيار آخر غيرها او بديل عنها حالياً، وإلّا تأزمت الامور اكثر.

ولكن لم يحصل اي تقدم او جديد بعد وقف وساطات ولقاءات الثنائي امل وحزب الله مع باسيل، بانتظار غربلة بعض الافكار التي طرحت وتدوير الزوايا. فيما يرتقب الوسط السياسي كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مطلع الاسبوع المقبل، في الذكرى الثلاثين لتأسيس قناة المنار. وترتدي اطلالة نصر الله اهمية استثنائية ليس للإطلاع على موقف حزب الله من الأزمة الحكومية فحسب، بل أيضاً لنفي الشائعات المتعلقة بصحة نصر الله، والتي أخذت حيزاً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي في الاسبوع المنصرم.

من جهته، لوّح رئيس الجمهورية بخيارات متعددة لمواجهة الرئيس المكلف سعد الحريري ومنها الدعوة الى طاولة حوار في القصر الجمهوري. لكن أثيرت تساؤلات عن امكان نجاح خطوة من هذا النوع، لأن معظم الاطراف قد لا يلبون اي دعوة تحت عنوان البحث بموضوع تشكيل الحكومة الجديدة.

الى ذلك طُرحت خيارات أخرى منها الاستقالة من المجلس النيابي لاسقاط شرعيته وفرض انتخابات نيابية مبكرة. لكن هذه الخطوة التي لوّح بها التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل ايضا لا تخلو من المخاطر بسبب موقف الثنائي الشيعي منها.

وفي المعلومات، ان الثنائي الشيعي بدأ بالتحضير للهجوم المعاكس اذا استقال التيار والمستقبل والقوات من المجلس النيابي. ويقول قيادي بارز في الثنائي «لا يعقل ان نقف متفرجين على حل المجلس وضرب الموقع الشيعي تحت اي ذريعة»، مشيراً إلى أن الثنائي «ارسل رسائل في اكثر من اتجاه مفادها ان اي خطوة من هذا النوع سوف يكون ثمنها الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي شامل».

ونصح القيادي من اسماهم بالمتهورين بعدم المساس بالسلطة التشريعية ومحاولة احراج رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومن خلفه حزب الله، لانه حينها ستسقط كل المحرمات السياسية ومن المستحيل ان نقبل بالفراغ التشريعي تحت حجة الانتخابات النيابية المبكرة.

خضّة قضائية-مالية

الى ذلك، خطف حدث قضائي-مالي الاضواء، وكاد يفجر البلد. اذ أصدر مجلس شورى الدولة قرارا قضى بوقف العمل في تعميم أصدره مصرف لبنان سابقا، رقمه 151، ويقضي بالسماح للمودعين بالسحب من ودائعهم الدولارية بالليرة على سعر 3900 ليرة للدولار.

هذا القرار الصادر بناء على مراجعة تقدم بها 3 محامين، أحدث بلبلة مقلقة، ذلك أن مصرف لبنان، وبدلا من ان يبادر الى تقديم مراجعة مضادة يطلب فيها استمرار العمل في التعميم، أصدر بياناً اعلن فيه الانصياع للقرار ووقف السماح بسحب الاموال على سعر 3900 ليرة للدولار.

هكذا اشتعل البلد، ونزل الناس إلى الشوارع في الليل، قسمٌ منهم يحاول الحصول على الاموال من ماكينات السحب الآلية قبل بدء تنفيذ قرار المنع، وقسم آخر يريد قطع الطرقات وحرق الاطارات احتجاجاً.

وبعدما استشعرت السلطة السياسية خطر المشكلة وتداعياتها المحتملة، بادرت الى التدخل. وللغاية قام رئيس الجمهورية بالاتصالات، ونجح في تنفيس الاحتقان عبر بيان ليلي اصدرهمصرف لبنان تراجع فيه عن قراره الاول واعلن انه سيقدم مراجعة لضمان استمرارية التعميم والسماح للمواطنين بسحب الاموال. ومنذ صدور البيان الثاني، بعد حوالي 3 ساعات فقط من البيان الأول، كان معروفاً ان التسوية تمت، وان الوضع سيعود الى ما كان عليه بعد ايجاد مخرج لائق للمركزي ولمجلس شورى الدولة.

وهذا ما تأكد في اليوم التالي في اجتماع قصر بعبدا الذي ترأسه رئيس الجمهورية.

إعادة الودائع

إلى ذلك، وبعدما كان مصرف لبنان قد وعد من خلال مبادرة أطلقها في البدء باعادة الودائع الدولارية الى المودعين الصغار والمتوسطين، أعلن في 4 حزيران الجاري قراره البدء في تنفيذ هذا المشروع.

وجاء في القرار انه يسمح للمودعين بسحوبات نقدية بالدولار بقيمة 400 دولار شهرياً وصولاً الى سقف الـ25 الف دولار خلال مدّة 5 سنوات يتم بعد ذلك الاستغناء عنهم وإقفال حساباتهم المصرفية، علماً انّ 70 في المئة من الحسابات سيتم إقفالها في العام الاول كون قيمتها الفردية لا تتعدى 5 الى 10 آلاف دولار. وسيشمل القرار حوالي 800 الف مودع.

أزمات حياتية

لم يشهد الوضع الحياتي أي تطور ايجابي، بل استمر المسار الانحداري قائماً. وبقي ملف الدعم غامضاً، فيما بدأ يتضح أن الخطة التي يتبعها مصرف لبنان حالاً تقضي بفرض نوع من الشح في الدعم وليس وقفه نهائيا، بهدف خفض الاستهلاك وتخفيف الانفاق من العملات الصعبة.

وقد استمرت المواجهة بين وزير الصحة ومصرف لبنان على خلفية دعم الدواء والمستلزمات الطبية. وتعاني المستشفيات من أزمات فقدان بعض المستلزمات.

في المقابل، استمر فقدان المواد الغذائية المدعومة من الاسواق، وحاول رئيس الجمهورية حل هذه المسالة في اجتماع مالي، حضره سلامة، وتناول البحث بتأمين تمويل المواد الأساسية المدعومة بالعملة الأجنبية.

وحسب البيان الرسمي، تمت خلال الاجتماع مقاربة الحلول المتوافرة وفقاً لقانون النقد والتسليف، على ان يتم التواصل بين وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال غازي وزني والحاكم سلامة لهذه الغاية.

وخلال الاجتماع، أجرى عون اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب ووزير المالية غازي وزني.

في غضون ذلك، ظهرت أزمة الكهرباء لتشكل هاجساً مرعباً بالنسبة إلى اللبنانيين. وفي بيان صريح، اعلنت مؤسسة الكهرباء عن تقنين اضافي، وعن احتمال الوقوع في الظلمة الكاملة.
وقالت: لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان سوى من البدء بتفريغ حمولة ناقلة بحرية واحدة محمّلة بمادة الفيول أويل (Grade A)، وتعذّر عليها تفريغ حمولات الناقلات الأخرى بسبب عدم فتح اعتماداتها المستندية اللازمة، لذلك، ستقوم مؤسسة كهرباء لبنان برفع قدرة معمل الذوق الحراري القديم وتخفيض قدرة كافة المعامل الأخرى في المقابل بسبب النقص الحاد في مادتي الفيول اويل (Grade B) والغاز أويل. وبالتالي، فإن إجمالي الطاقة المنتجة على الشبكة حاليًا هي في حدود 720 ميغاواط، بعدما جرى تخفيضها تدريجيًا خلال الأسابيع الماضية، بحيث تشهد على أثره جميع المناطق اللبنانية، بما فيها منطقة بيروت الإدارية، ارتفاعًا ملحوظًا جدًا في عدد ساعات التقنين، وقد بات هذا التدني في القدرة الإنتاجية يؤثر سلبًا على ثبات واستقرار الشبكة الكهربائية، حيث أن أي صدمة كهربائية تتعرّض لها الشبكة، قد تؤدي إلى انقطاع عام وخروج كافة المعامل عنها.