رهانان سقطا تباعاً…وبقيت «الأم الحنون»

د.شادي مسعد

توالت الانتكاسات على الساحة الداخلية على المستويين السياسي والاقتصادي. وفيما كان يسود رهان على نجاح المساعي في حلحلة سياسية تؤدي الى ولادة الحكومة، ورهان آخر على نجاح الكابيتال كونترول وتعميم مصرف لبنان للبدء في إعادة الودائع، سقط الرهانان بالضربة القاضية، وانتهى الاسبوع على وضع حكومي مقفل، ووضع مالي مريب بعد الموقف الحازم والواضح الذي أعلنه صندوق النقد الدولي.

في الموازاة، زادت الضغوطات المعيشية على المواطن، وانسحبت الأزمات على معظم السلع والخدمات، ومنها الكهرباء، الانترنت، المياه، المحروقات، الادوية والاستشفاء، والمواد الغذائية وصولاً الى الطحين..

في هذه الاجواء، برز موقف فرنسي لافت لجهة السعي الى مساعدة لبنان لضمان استمرار الخدمات العامة الرئيسية. هذا الموقف، وإن أراح اللبنانيين لجهة تأكيد الاهتمام الخارجي بعدم ترك لبنان لمصيره، إلا أنه في الوقت نفسه زاد منسوب القلق، لأنه أوحى بأن المجتمع الدولي بات يعلم ان الخدمات الاساسية في لبنان تتجه نحو الزوال فعلاً!

الوضع السياسي
تعرضت المساعي لتحريك المياه الحكومية الراكدة الى هبّات ساخنة وباردة، وبدت التحركات أشبه بيوميات البورصة، مرة ترتفع وأخرى تنخفض. وبينما انتشرت اجواء تفاؤلية مطلع الاسبوع نتيجة الاتصالات التي قام بها الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل)، مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أقفل الاسبوع على اعلان فشل الاتصالات، وعودة الحرب الكلامية القاسية بين بيت الوسط والبياضة هذه المرة. اذ ان الاجتماعات الماراتونية انعقدت في منزل باسيل في منطقة البياضة، الأمر الذي اثار حفيظة الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اعتبر ان باسيل يحاول ان يعطي نفسه دوراً بديلاً عن القصر الجمهوري في عملية تشكيل الحكومة.

وفي كلام منقول عن أوساط بيت الوسط، وضع الحريري «الأجواء التي يسعى باسيل إلى ضخها إعلامياً في خانة البروبغندا الغبية». وأكد أنّ الأخير «يحاول ان يخترع دوراً له بعدما بات معزولاً فنصّب نفسه رئيساً للجمهورية وهو «مصدّق» الكذبة». وأعادت اوساط بيت الوسط تصويب الأمور باتجاه الدستور الذي «لن يزيح عنه» الحريري، ونصّه الذي يقول بأنّ «الحكومة تتألف بالتفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية ونقطة على السطر». في المقابل، سارعت مصادر «التيار الوطني» إلى الرد باتهام الحريري بأنّ لديه «موانع تحول دون التأليف»، مبديةً أسفها لـ«تفويت الفرصة التي سنحت في اليومين الأخيرين» مع تشديدها على أنّ «اجتماعات البياضة» هي بمثابة «تشاور طبيعي بين الكتل النيابية وأتت بطلب من الثنائي الشيعي».
في المقابل، تحدثت مصادر سياسية عن عدم «استعجال» الحريري لحسم الملف الحكومي بانتظار تبلور الموقف الخليجي من عدة ملفات وفي مقدمها العلاقة مع سوريا، والمحادثات الايرانية- السعودية، واشارت الى انه يظن بأن «لعبة» الوقت تعمل لصالحه خصوصا ان قرار «الاعتذار» عن التكليف سيصبح فعالا اكثر مع الاقتراب من الاستحقاقات الانتخابية، ولهذا كلما تم «حرق» المراحل خسر الرئيس عون المزيد من الوقت من عهده حيث لا يريد الحريري ان يسجل له اي نجاحات تذكر يمكن ان «يورثها» لخليفته المفترض، ولهذا يتمّ التركيز، ليس على تشكيل الحكومة، بل على القضاء على اي فرصة رئاسية محتملة للنائب جبران باسيل، ولهذا يسعى الرئيس المكلف للابقاء على «الجرح» الحكومي نازفا مراهنا على فرض نفسه مجددا الاول لدى الطائفة السنية انتخابيا.

هذه الاجواء دفعت الى ترجيح صحة المعطيات التي رشحت خلال الساعات الأخيرة ومفادها أنّ العد العكسي لإقدام الرئيس المكلف سعد الحريري على خطوة الاعتذار انطلق ولم يعد يفصل عنها سوى وصول مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى «خط النهاية» وسحبها من على الطاولة.

موقف فرنسي

في عز مرحلة اليأس والقلق، برز موقف مفاجئ ولافت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون . فقد اعلن ماكرون انه «يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة حادة». ولفت في مؤتمر صحافي الى انه «سيدافع عن جهوده لتشكيل حكومة من شأنها أن تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية».

هذا الموقف اشاع نوعاً من الارتياح في الاوساط الشعبية التي رأت في موقف ماكرون تجديدا لتعهدات «الأم الحنون»، بعدم ترك الشعب اللبناني لمصيره.

الوضع المعيشي والحياتي

في الجانب الآخر من الأزمة، استمرت الضغوطات الحياتية في الارتفاع، وشعر بثقلها كل اللبنانيين، بعدما اختفت الطبقة الوسطى، وتحول الجميع الى طبقة فقيرة بعد تراجع القدرات الشرائية الى مستويات غير مسبوقة مع استمرار سعر صرف الليرة في الانهيار، حيث وصل سعر الدولار الى 15 الف ليرة.

وقد تحولت بيروت مرآبا عملاقاً خانقاً سدّت فيه معظم الطرق الرئيسية والفرعية تحت وطأة ازمة البنزين واصطفاف عشرات الوف السيارات في صفوف لا تنتهي أقفلت معها العاصمة، في مشهد عكس حجم الذل الذي يعاني منه اللبنانيون، علما ان صفوف الإذلال لم تقف على التراصف حول محطات المحروقات للحصول على ما لا يزيد عن ليترات مقننة قليلة لا تتجاوز قيمتها العشرين الف ليرة بل تمددت اكثر فاكثر امام الصيدليات وفي المستشفيات أيضا.

الى ذلك أعلن تجمّع أصحاب الصيدليات عن توقفهم القسري عن العمل ليومين، «بالتضامن والتنسيق مع مراسلي نقابة صيادلة لبنان في المناطق، للمطالبة بحقوق الصيادلة وإيصال أصواتهم لمن يعنيهم الأمر من المسؤولين عن الوضع الذي وصل إليه الواقع الصحي والدوائي في البلد، ولوضع الحلول السريعة لهذه الأزمة المستفحلة، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم بعدما باتت الصيدليات شبه خالية من الأدوية وحليب الأطفال».

كذلك اعلنت المستشفيات انها لم تعد قادرة على استقبال كل المرضى، وانها مضطرة الى المفاضلة بين مريض وآخر في الحالات غير الطارئة، على اساس ان تختار المريض القدر على دفع الفروقات في الفواتير الناجمة عن الفرق الشاسع بين الكلفة وبين التعرفة التي تتمسك بها الجهات الضامنة، لاسيما الحكومية منها. وهكذا يكون اللبناني في مواجهة خطر فقدان القدرة على تأمين الطبابة والدواء والاستشفاء.

الوضع المالي

على الصعيد المالي، تلقى مشروع الكابيتال كونترول الذي أقرته لجنة المال والموازنة النيابية صدمة من صندوق النقد الدولي الذي قال المتحدث باسمه جيري رايس خلال مؤتمره الصحافي ردا على سؤال في شأن هذا القانون : «قانون مراقبة رأس المال ووضع حدود للسحب من الودائع لن يحققا الفعالية المطلوبة بدون وجود خطة للإصلاح الشامل الذي تحتاج إليه لبنان بصورة ماسة. ونعتقد ان المقترحات الخاصة بتطبيق قانون الكابيتال كونترول بالاضافة الى الاجراءات الخاصة بالسحوبات يجب ان تأتي في سياق خطة إصلاحية شاملة وواضحة يحتاجها لبنان بشكل طارئ، ومستدام. ولا نرى الحاجة لتطبيق قانون كابيتال كونترول في الوقت الحالي، خصوصا في غياب إجراءات مالية ونقدية وسياسات تتعلق بسعر الصرف. وأيضا ليس من الواضح كيف سيتم تمويل خطة تسديد الودائع، مع الاخذ في الاعتبار التراجع المستمر للعملات الاجنبية في الاقتصاد خلال السنتين الماضيتين ، توازيا مع إستمرار الحاجة لتمويل استيراد المواد والسلع والخدمات. وفي الوقت ذاته، هنالك خطر جدي حول مبالغ الليرة المتداولة وقد تزداد من مستويات حاليا مرتفعة، ما يرفع الضغوط التضخمية وتراجع سعر صرف الليرة وما ينعكس تدهوراً متزايداً بالنسبة للاوضاع المعيشية في البلاد».

كلام نصر الله

الى جانب الأزمات السياسية والاقتصادية والحياتية، أثار كلام امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عاصفة ردود لم تهدأ، في شأن تأكيده ان حزب الله لن يقف متفرجا على أزمة المحروقات، وانه سيعمد الى استيراد المحروقات من الجمهورية الاسلامية الايرانية، بصرف النظر عن موقف الدولة اللبنانية من هذا الموضوع.

وقد توالت المواقف السياسية المنتقدة لكلام نصر الله خصوصا من قبل رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع الذي عقد مؤتمرا صحافيا للردّ فيه على مضامين خطاب نصر الله، فاستغرب «تباكيه» على الأوضاع الحالية.

واختصر جعجع موقف «حزب الله» ، كما يراه، بأنّ «أهم شيء» بالنسبة إلى هذا الحزب هو أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا يبالون إذا مات الشعب أم عاش أو إذا ما وقف في «طوابير» لتعبئة الوقود أو لا، أو إذا فقد الدواء والخبز أو لا، وإذا ما انخفض سعر صرف الدولار أو ارتفع، كل هذا لا يهمهم لأنه بالنسبة لهم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي لا علاقة للبنان واللبنانيين بها».

المصدر: السهم