“أدوكانوماب” .. عقار سحري للشفاء من الزهايمر؟

تُعلق آمال أبحاث مرض خرف الشيخوخة، أو الزهايمر، على دواء جديد يدعى “أدوكانوماب”، لاسيما وأن وكالة الأغذية والأدوية الفدرالية الأمريكية أجازت استخدامه في السابع من يونيو/ حزيران، وسط توقعات بأن تتبعها وكالة الأدوية الأوروبية نهاية العام الحالي.

وأثبتت المادة الفعالة في هذا الدواء قدرتها على إزالة ببتيد بيتا النشواني (المسمى اختصاراً إيه بيتا) الضار في الدماغ. لكن المجتمع العلمي ما يزال يناقش إن كان ذلك وحده كافياً لوقف فقدان الذاكرة المرتبط بالمرض.

المعضلة في هذا الصدد هي أن على المرضى تناول الدواء قبل ظهور أعراض الخرف عليهم بفترة طويلة.

نظرة على الأصحاء قبل المرضى

تم اكتشاف المادة الفعالة لهذا الدواء في جامعة زيورخ السويسرية، على يد روجر نيتش وكريستوف هوك، اللذان لم ينظرا في البداية إلى مرضى الزهايمر، بل إلى الأصحاء في عمر متقدم، وقاما بفحص خلايا الجهاز المناعي المختصة بتكوين الأجسام المضادة لببتيد بيتا النشواني لديهم. تمكن الباحثان، من خلال عمل دقيق وشاق، من فك شفرة الأجسام المضادة، واستنباط المادة الفعالة للدواء الجديد بالتعاون مع الشركة الأمريكية “بيوجين”، وتجربتها في دراسة إكلينيكية.

مراحل متعددة للزهايمر

تتفق أبحاث مرض الزهايمر بشكل كبير في الوقت الراهن على أن المرض يتطور على مراحل طويلة الأمد، تحصل خلاله عمليات انهيار مختلفة لخلايا الدماغ. أهم تلك العمليات تراكم ببتيد بيتا النشواني، وهو في العادة بروتين يظهر لدى البشر على هيئة جزيئات بسيطة، ولكن بمجرد ارتباطها ببعضها البعض، فإنها تصبح ضارة.

المرحلة الثانية هي تفعيل جهاز المناعة في الخلية وبناء ترسبات “تاو”، والتي تنشأ من انفلات بروتينات تاو، وهي بروتينات تعمل على تثبيت الأنابيب الدقيقة للمحاور العصبية، من هيكل الخلايا العصبية وترسبها بين تلك الخلايا، وبالتالي تصبح سامة لها.

هذا التتالي المرضي هو أكبر المشاكل لدى الباحثين، فلو تمكنوا من وقفه مبكراً، فإنهم يعتقدون بأنهم سيكونون قادرين على وقف فقدان الذاكرة بشكل مستدام.

ويقارن كريستيان هاز، أستاذ التدهور العصبي الجزيئي في المركز الألماني لأمراض التدهور العصبي بميونيخ، في حوار مع DW، بين تطور مرض الزهايمر وشلالات الماء، إذ يقول: “إذا ما أردنا وقف سقوط الماء من أعلى الشلال، يجب علينا فعل ذلك مباشرة من خلال ببتيد بيتا النشواني. لكننا لو تأخرنا في التعامل معه، فإننا سنكون قد فوّتنا الفرصة، وسيتولى بروتين تاو تشغيل الشلال لوحده”.

لذلك، فإن نجاح العلاج يعتمد على تشخيص المرض في وقت مبكر والتعامل مع أسبابه بالمواد الدوائية المناسبة. لكن المشكلة في ذلك هي أن مرض الزهايمر يبقى فترة طويلة دون أعراض، وعندما تظهر أولى أعراض فقدان الذاكرة، يكون الوقت قد تأخر للعلاج. هذه المشكلة يمكن رؤيتها بوضوح أيضاً في الدراسة الإكلينيكية لعقار “أدوكانوماب”.

تذبذب في الدراسات

قامت شركة “بيوجين” بإجراء ثلاث دراسات إكلينيكية، قبل أن تقدم طلب إجازة عقار “أدوكانوماب” لدى إدارة الدواء والأغذية الأمريكية عام 2019، ووكالة الأدوية الأوروبية عام 2020. وكان تقييم نتائج تلك الدراسات يتغير بشكل مستمر.

في الدراسة الأولى عام 2016، نجح عقار “أدوكانوماب” في محاربة ببتيد بيتا النشواني لدى 166 مريضاً بالالزهايمر. لكن في الدراستين التاليتين، واللتان شارك فيهما 3200 شخص، ظهرت نتائج متناقضة. ففي مارس/ آذار عام 2019، أوقفت الدراستان لأن النتائج الأولية لم تظهر أي تحسن في القدرات الإدراكية لعينة الدراسة “وهذا بالفعل كل ما يهم”، بحسب ما يقول كريستيان هاز.

لكن في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام، غير الباحثون من تقييمهم، إذ تم قياس تغير إيجابي في الذاكرة لدى مرضى الدراسة الثانية، وبناءً عليه تقدمت “بيوجين” بطلب إجازة العقار لدى الوكالة الأمريكية. عقب ذلك، قامت لجنة خبراء مستقلة تعاقدت معها الوكالة الأمريكية للدواء والغذاء بمنح العقار قدرة علاجية منخفضة، ما تناقض مع التقييم الأولي للوكالة. لهذا السبب، مددت الوكالة عملية مراجعة الدواء حتى يونيو/ حزيران الحالي.

الكثرة تفيد أم تضر؟

هذا الاختلاف في تقييم “أدوكانوماب” كان على ما يبدو مرتبطاً بالجرعة الدوائية التي حصلت عليها عينة كل دراسة. فقد وجد الباحثون أن الأثر الأقوى كان لدى المرضى الذين حصلوا على جرعة عالية من الدواء، إذ لوحظ أن تراجع القدرة الإدراكية لديهم كان أبطأ من الباقين.

لكن مشكلة الجرعة العالية للدواء تظهر بشكل خاص لدى المرضى الذين لديهم استعداد لمورثات ما يُسمى “إيه بي أو إي 4″، هؤلاء يمكن أن يسبب عقار “أدوكانوماب” لديهم انتفاخات في الدماغ. لذلك فإن المرضى الذين أظهروا هذه الانتفاخات، تم استبعادهم مباشرة من الدراسة. حول ذلك يقول كريستيان هاز: “هذه الانتفاخات يبدو أنها تراجعت بعد التوقف عن تناول الدواء”، ولكن شرط تشخيصها بشكل صحيح.

المثير للاهتمام هو أن مفعول “أدوكانوماب” جيد بشكل خاص لدى أولئك المرضى ذوي الاستعداد الوراثي، إذ يشير هاز إلى أن “هناك علاقة بين الأمرين، ولكنها ليست واضحة بعد”.

هذا ليس على الإطلاق سبباً لرفض الدواء، بحسب الباحث الألماني: “أدوكانوماب دواء نجح في إجراء تنظيف شامل من المسببات المرضية في أدمغة المرضى”، وهو ما يمكن إثباته بصور مقطعية للدماغ. ويضيف كريستيان هاز: “هذه حكاية مذهلة، فكلما كان لدى المرء كمية أكبر من الأجسام المضادة هذه، كلما كان القدرة أكبر على التخلص من المسببات المرضية”. لكن هذه الارتباطات بحاجة إلى المزيد من البحث.

التشخيص المبكر سر نجاح العلاج

علاج مرض الزهايمر يتوقف بشكل كبير على وقف “شلال” عمليات التدهور العصبي في أبكر وقت ممكن، إذ يعتبر هاز أن ” أن استخدام الدواء كان متأخرا في كل الدراسات الإكلينيكية”، لاسيما وأن التطور المرضي لالزهايمر يبدأ قبل تشخيص الأطباء للأعراض بعشر سنوات إلى عشرين سنة، “بعد تكوين بروتينات تاو، لا يمكن لعلاج يعتمد على محاربة ببتيد بيتا النشواني أن ينجح”.

بالرغم من ذلك، فإن أي تقدم صغير في علاج الزهايمر يعتبر نجاحاً كبيراً، إذ يرى هاز أنه “من الرائع أن نتمكن من تثبيت حالة المريض بحيث لا تتدهور بعد مجيئه إلينا”. ففي بداية العلاج، يكون الكثير من المرضى مستقلين بذاتهم: “إنهم يأتون غالباً يقودون سياراتهم أو مستقلين وسائل النقل العمومية .. ما يزالون قادرين تماماً على حياة طبيعية وعيشها بشكل مستقل”.

لهذا، فإن المهمة مستقبلاً ستكون البدء بالعلاج الدوائي قبل تدهور ذاكرة المريض. في هذا الصدد، يبحث الأطباء بشكل مكثف عن علامات بيولوجية لتحسين التشخيص المبكر. بيد أن من غير الواضح ما إذا كان ذلك كافياً من أجل التدخل في الوقت المناسب لاستخدام الاجسام المضادة مثل أدوكانوماب في العلاج.

تحسين التخلص من الفضلات في الدماغ

عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الرواسب ومكافحتها في الدماغ، فإن الوظائف الخلوية للتخلص من النفايات تلعب دوراً مهماً، لأنها تتوقف بشكل مبكر لدى مرضى الزهايمر، وذلك على الأغلب كرد فعل على ترسب أول ببتيدات بيتا النشوانية. وبالرغم من كون هذه الخاصية المناعية جزءاً من المشكلة، إلا أن الباحثين يريدون استغلالها لمكافحة الزهايمر.

الخلايا الدبقية الصغيرة المسؤولة عن هذه الوظيفة فريدة من نوعها، فهذه الخلايا المناعية تفترس الخلايا العصبية الميتة، وتتحول في نفس الوقت إلى مقدمة لتكوين خلايا عصبية جديدة. لكن إذا ما تم تفعيلها بشكل فوق الطبيعي، قد تسبب ردة فعل التهابية خطيرة، يمكن تشخيصها لدى مرضى المراحل المتقدمة من الزهايمر.

من جانب آخر، يمكن أن تبقى هذه الخلايا الدبقية الصغيرة غير فعالة، على الرغم من الحاجة الماسة لها في مكافحة ترسب ببتيد بيتا النشواني. في الوقت الراهن، يبحث كريستيان هاز مع الشركة الأمريكية “دينالي” عن طريقة لابتكار أجسام مضادة واستخدامها في تجارب سريرية على البشر. فكرة هذه الأجسام المضادة تحفيز الخلايا الدبقية الصغيرة مبكراً للتعرف على الترسبات ومكافحتها.

هذه الطريقة يمكن استخدامها مع عقار “أدوكانوماب”. ويوضح هاز الطريقة: “أدوكانوماب يتفاعل مع الترسبات الببتيدية، ما يحسّن من دقة اكتشافها، ويحفز الخلايا الدبقية الصغيرة التي تم تفعيلها عبر أجسامنا المضادة، لتبدأ في افتراس ترسبات الببتيد مبكراً. لكن علينا تجربة ذلك أولاً”.

Raej