د. شادي مسعد
لا يمكن الادعاء أن الاسبوع انتهى كما بدأ. الواقع، ان الاشتباك السياسي الذي بدأ خجولا في مطلع الاسبوع، تصاعد تدريجيا الى حد الانفجار العلني بين الرئاستين الاولى والثانية، حيث سُجل «قصف» متبادل بواسطة بيانات أقل ما يُقال في مضمونها انها قاسية، وخارجة عن المألوف، وساهمت في توتير اضافي، جعل احتمال نجاح مبادرة رئيس المجلس في ملف تشكيل الحكومة مستبعداً.
في المقابل، وبينما كان التصعيد السياسي يحتدم أكثر فأكثر، ضبط اللبنانيون ساعتهم على موعد الاضراب الذي قرره الاتحاد العمالي العام في 17 حزيران الجاري، كموعد محتمل لحصول مواجهات في الشارع في توقيت حساس وخطير. ولكن القطوع مر بسلام، بعدما سارعت قوى سياسية، وفي مقدمها حزب الله كما ذكرت المعلومات، الى سحب فتيل التفجير المحتمل.
وبعيداً عن الأزمة السياسية، بدا المؤتمر الدولي الذي عُقد من اجل دعم الجيش اللبناني كنقطة مضيئة في نفق مظلم لجهة الاهتمام الخارجي بصون المؤسسة العسكرية، ولجهة الثقة التي تحظى بها هذه المؤسسة، وهي تكاد تكون الوحيدة بين مؤسسات الدولة التي لا تزال تحظى بالاحترام والتقدير في الداخل والخارج. لكن، وبرغم الناحية الايجابية في المؤتمر، الا ان ذلك لم يحجب الناحية السلبية والمتعلقة بالوضع الذي وصل اليه الجيش، والذي اضطرت قيادته الى طرح الصوت لمساعدتها على إطعام ودعم العناصر والضباط.
على المستوى الحياتي، واصل المشهد مسيرته الانحدارية نحو مزيد من التعقيدات والمعاناة. وبدا واضحا ان مصرف لبنان يصرّ على عدم الاستمرار في الدعم بالوتيرة نفسها القائمة، والتي يمكن ان تستنفذ امواله المتبقية بسرعة. وبقيت أزمة المحروقات قائمة، كذلك غابت السلع الغذائية المدعومة، ولم يشهد قطاع الادوية والمستلزمات الطبية سوى حلحلة جزئية وقد تكون مؤقتة.
المشهد السياسي
سجّلت التحركات السياسية التي كانت قائمة على خلفية مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتشكيل الحكومة، نكسة خطيرة عندما انفجر خلاف علني عنيف بين رئيس الجمهورية من جهة ورئيس المجلس من جهة ثانية. وخاطب الرئيسان بعضهما البعض بلغة جافة ساهمت في توتير الاجواء بشكل غير مسبوق.
وكان عون قد بدأ المواجهة العلنية مع بري من خلال اصدار بيان اعتبر فيه ان رئيس المجلس يتجاوز حدوده الدستورية في «التدخّل» في ملف التأليف، وردّ بري من خلال التشديد على كون رئيس الجمهورية «فاقد الإرادة» في قرار التكليف المنبثق حصراً من إرادة مجلس النواب، مع التأكيد على عدم أحقية رئيس الجمهورية دستورياً «بوزير واحد».
وبدورها، ردت رئاسة الجمهورية باتهام بري بالسعي إلى «تهميش دور رئيس الجمهورية والحد من صلاحياته وتعطيل دوره واقصائه»، من خلال القول بعدم أحقيته بالتمثيل الوزاري.
ولم يتأخر بري في الرد مجددا، مذكّراً رئيس الجمهورية بأنه «هو صاحب القول بعدم أحقية رئيس الجمهورية بأية حقيبة وزارية او وزارة» إبان عهد الرئيس ميشال سليمان، الأمر الذي ردّ عليه عون باعتبار ذلك ناجماً عن عدم امتلاك سليمان “أي تمثيل نيابي ولم يكن يحظى بدعم أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب كما هي حال الرئيس عون حالياً». فعاد بري إلى الرد على الرد بسؤال: «طالما الأمر كذلك لماذا أعلن «التكتل» (لبنان القوي) أنه لن يشارك (في الحكومة) ولن يعطي الثقة»؟ لها وفي الوقت نفسه يريد حصة الثلث المعطل فيها.
في غضون ذلك، قيل ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والذي كان يتحضّر للاعتذار اذا اقتضى الامر، تراجع مؤقتا عن خطوته لئلا تُفسّر بأنها صفعة في وجه بري الداعم الاول وشبه الوحيد للحريري في معركة التأليف. وهذا يعني المزيد من التسويف واضاعة الوقت بانتظار إخراج مناسب في المستقبل للاعتذار، في حال تقررت هذه الخطوة.
في هذا الجو السياسي المشحون، برزت زيارة قام بها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل الى بيروت. وترافقت الزيارةمع كلام يؤكد ان المسؤول الاوروبي يحمل رسالة واضحة الى السلطة السياسية مفادها ان العقوبات الاوروبية عليهم لن تتأخر اذا لم يبادروا الى تأليف الحكومة.
خوف من الشارع
في هذه الاجواء السياسية المتوترة، جرى التحضير للاضراب الذي نظمه الاتحاد العمالي العام. ومنذ أعلنت قوى سياسية في مقدمها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر نيتهما المشاركة في الاضراب، سادت اجواء من القلق الشعبي. اذ تخوّف كثيرون من صدامات في الشارع، قد تتحول الى اعمال عنف واضطرابات يصعب ضبطها.
وتفيد معلومات صحافية ان حزب الله اضطر الى التدخل لقطع الطريق على احتمال حصول مواجهات، واجرى اتصالات في كل من حركة «امل» والتيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، ونجح في اقناعهم بالعدول عن محاولة حشد أنصارهم في الشارع، بسبب المخاطر الامنية الكبيرة المحدقة بمثل هذه الخطوة. ونجح الحزب في سحب فتيل التفجير المحتمل، وانكفأت الاحزاب عن المشاركة في التحرّك الاحتجاجي. هذا الانكفاء دفع ثمنه الاتحاد العمالي العام الذي كان موعوداً بحشود كبيرة، فاذا به في مواجهة عدد هزيل من المشاركين معه في الاحتجاج.
الوضع الحياتي صعب
على مستوى الملفات الحياتية الضاغطة، لم يطرأ اي جديد، باستثناء استمرار التدهور في القدرات الشرائية للمواطنين، بسبب ارتفاع اسعار سعر الدولار في السوق السوداء الى ما فوق الـ15 الف ليرة. ومع هذا الرقم، تكون الليرة قد تراجعت بنسبة 1000%، وصار الحد الأدنى للأجور حوالي 30 دولارا، وهو رقم معبّر في حد ذاته عن عمق مأساة اللبنانيين في هذه الحقبة.
وفيما استمرت أزمة المحروقات قائمة، ظهرت بوادر كارثة خطيرة تتمثل بانخفاض مخزون الادوية الى مستويات مقلقة، توحي باقتراب موعد نفاذ الادوية في البلد.
ومن خلال بيان صادر عن مصرف لبنان، بالاضافة الى المناقشات التي جرت في المجلس النيابي، يتضح ان الدعم في طريقه الى الزوال بسبب نضوب الاموال في البنك المركزي. وقد بدأت مناقشات جدية في هذه الفترة لرفع دولار الدعم على المحروقات من 1500 ليرة للدولار، الى 3900 ليرة، وهو السعر المحدّد في المصارف للسحب من الودائع الدولارية. هذه النقلة ستؤدّي الى رفع سعر صفيحة البنزين بين 12 و15 الف ليرة. وستكون بمثابة مرحلة انتقالية مرحلة يُفترض ان تستمر لشهرين، يُصار بعدها الى رفع الدعم كلياً، والبدء في توزيع بطاقات تمويل لمساعدة المواطنين الذين يحتاجون الدعم.
الجيش..نقطة مضيئة
من قلب المشهد الاسود، على المستويين السياسي والاقتصادي، برزت بارقة أمل تمثلت بانعقاد مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني. وقد خصص المؤتمر لسدّ الحاجات الملحّة للجيش، بما يشمل المسائل الغذائية والمحروقات وتوفير قطع غيار، مما يساعده في القيام بمهماته في حفظ الأمن والاستقرار، الذي بات يرتكز عليه وحده، مع انهيار الاستقرارين السياسي والمالي.
وأعلن الجيش اللبناني، أنّ المشاركين في المؤتمر الدولي لدعمه أجمَعوا على انّ «هذا الدعم للجيش يعكس اهتمام المجتمع الدولي بوحدة لبنان وسيادته واستقراره، وشدّدوا على ضرورة مساندة الجيش لأنّه الركيزة الأساس للاستقرار في لبنان، مؤكّدين ضرورة التنسيق في ما بينهم من أجل تلبية الحاجات الضرورية لمواجهة هذه الأزمة، والتي ستصل مباشرة الى المؤسسة العسكرية». واشار الى انّ المشاركين اتفقوا على أن يستكملوا اللقاءات، وكلّفوا ملحقيهم العسكريين في لبنان «التنسيق مع قيادة الجيش لمتابعة الأطر التنفيذية للمساعدات المزمع تقديمها، والتي ستشمل الحاجات الانسانية والطبية واللوجستية».
وكان قائد الجيش العماد جوزف عون حذّر في مداخلته خلال المؤتمر من أنّ «استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيؤدي حتماً الى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإنّ البلد بكامله سيكون مكشوفاً أمنياً، وأشدّد على ضرورة دعم العسكري كفردٍ، لاجتياز هذه المرحلة الدقيقة، اضافةً الى دعم المؤسسة ككل». أضاف: «الجيش هو المؤسسة الوحيدة والاخيرة التي لا تزال متماسكة، وهي الضمانة للأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة. وأي مسّ بها سيؤدي الى انهيار الكيان اللبناني وانتشار الفوضى. ونؤمن بأننا سنجتاز هذه المرحلة الصعبة والدقيقة بفضل عزيمة جنودنا وارادتهم وبدعم اللبنانيين والدول الصديقة».
ترسيم الحدود
خارج السياق العام السائد، تمّ احياء مشروع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، من خلال عودة الموفد الأميركي جون ديروشر الى المنطقة. وقد زار بيروت والتقى رئيس الجمهورية الذي أبلغه، وفق المعلومات الصحافية، «موقف لبنان الثابت في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والحقوق التي يؤكد لبنان أنها له بالمنطقة».
ولفتت المعلومات إلى أن «المفاوضات مفتوحة على كل الاحتمالات، ولدى لبنان أوراق متعددة يمتلكها بالمفاوضات، بينها مسألة توسيع الحدود التي جرى الاتفاق عليها، ويحق للبنان أن يقوم بهذه التعديلات».
كما أوضحت أن «الموفد الأميركي لم يحدد اي موعد لاستئناف المفاوضات، قبل توجه الى إسرائيل للقاء رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت للبحث بالموضوع، ودرس إمكانية استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها. وفي اول موقف للحكومة الاسرائيلية الجديدة من ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أوضحت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار للوسيط الأميركي، الذي التقته انه “على رغم من القضية القانونية القوية لإسرائيل، نحن مستعدون للنظر في حلول إبداعية لإنهاء هذا الملف».
المصدر: السهم