بدأت مسألة الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان تثير اللغط والتساؤلات، خصوصا ان الاصوات المشككة في وجود الاموال بدأت تنتشر اكثر فأكثر، في ظل التوقف غير الرسمي لمعظم انواع الدعم. هل من طريقة لمعرفة حقيقة الارقام في المركزي، وهل ان الـ15 مليار التي يقول حاكم مصرف لبنان انها موجودة، ولا يريد استعمالها، هي موجودة فعلاً؟
في البداية لا بد من الاشارة الى ان الوضعية القانونية للاحتياطي الالزامي تختلف عن وضعية الاحتياطي غير الالزامي والذي يشمل الارباح التي قد يحققها المركزي جراء عمليات خلق العملة (seigniorage) وفروقات سعر الصرف، والتوظيفات المالية والتي تأتي في غالبيتها من ايداعات المصارف التجارية لديه. حتى الان، كان مصرف لبنان ينفق، على ما يُعلن، من الاحتياطي غير الالزامي، والذي شارف على النضوب، أو نضب فعلا. والسبب المعلن لرفض استمرار الانفاق من الاحتياطي الالزامي ان المركزي يعتبر ان قانون النقد والتسليف لا يسمح له بالمس بهذا الاحتياطي لأنه عائد الى اموال جرى تحصيلها من المصارف بقوة القانون، وليس اختياريا بالاغراء أو حتى الترهيب، كما هي حال الاحتياطي غير الالزامي.
اليوم، هناك من يؤكد ان مصرف لبنان لم يعد لديه سوى مبلغ اقل بكثير من الـ15 مليار دولار التي يدّعي امتلاكها.
وفي المعلومات المتداولة ان مصرف لبنان بات يعتبر نفسه، كما المصارف التجارية ايضا، لاعباً في السوق السوداء، يستعين بها لشراء الدولارات عندما يحتاجها. وهذا الامر ينطبق على المصارف. هذه المعلومات، ولو أنها لم تجد من هو قادر على اثباتها بالوثائق والحجج، الا انها تبدو قريبة من الواقع لاعتبارات عدة، من أهمها:
اولا- ان الكميات الكبيرة من الليرات التي طبعها البنك المركزي ووزعها في السوق، توحي بأن قسماً منها قد يكون جرى استخدامه لشراء كميات من الدولارات. وهذه الطريقة يعتبرها سلامة مشروعة، وهو صاحب نظرية ان الفجوة في البنك المركزي والتي وصلت الى حوالي 44 مليار دولار في نيسان 2020، ليست خسائر، بل انها ارقام يمكن تعويضها لاحقا عبر «خلق» العملة.
ثانيا- ان لجوء المركزي الى ضخ العملة الوطنية ومن ثم اصدار تعاميم تهدف في جانب منها الى امتصاص السيولة، يدخل في اطار دعم نظرية المتاجرة ببيع وشراء الدولار في السوق الحرة.
ثالثا- ان الدولارات التي تدخل الى البلد بمعدل حوالي 7 مليار دولار سنويا ينبغي ان تؤثر بفعالية على الحد من انخفاض سعر الليرة، لكن هذا الامر لا يحصل، وارتفاع الدولار على الليرة مستمر ومرشح للازدياد، بما يوحي بوجود قطبة مخفية في هذا الموضوع. هذه القطبة تكمنربما في إقدام مصرف لبنان على جمع قسم من هذه الدولارات لاعادة ضخها في الدعم وسواه، من الامور الواردة.
اذا أضفنا الى هذه النظرية، نظرية أخرى مرجّحة هي الاخرى تتعلق باقدام المصارف التجارية على شراء الدولارات من السوق السوداء، نستطيع ان نستنتج ان الضغوطات التي تتعرض لها الليرة على صلة بهذا السلوك. لكن المشكلة هنا ان القانون لا يمنع شراء الدولارات على اي جهة من السوق الحرة، واذا كانت الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية (مصرف لبنان) تشارك في العملية او تغض النظر عن المصارف، فهذا يفسر ايضا سبب هذا النقص بالدولارات رغم التحويلات المستمرة من اللبنانيين في الخارج، والتي يفترض ان تكون وصلت الى حوالي 14 مليار دولار منذ نشوب الأزمة المالية والاقتصادية في تشرين الاول 2019 حتى اليوم. ومع احتساب حجم الاقتصاد اللبناني بعد الانكماش (تتفاوت التقديرات بين 30 مليار دولار كحد أقصى و19 مليار دولار كحد أدنى)، يمكن الاستنتاج ان المركزي والمصارف اصبحوا جزءاً لا يتجزأ من زبائن سوق الصرف الحرة في البلد.
انطلاقاً من هذا الواقع، هناك من يعتقد ان مصرف لبنان لم يعد يملك احتياطيا يُذكر من العملات الأجنبية، وانه عندما يمول انما يفعل ذلك عبر شراء دولارات جديدة يضخها في صناديقه، ومن ثم يسعى الى امتصاص السيولة بالليرة، في محاولة دورية (cyclical) دائمة لتغذية رصيده والصمود.
هذا الواقع، يدفع الى المطالبة بضرورة تسريع موضوع التدقيق الجنائي، الذي يبدو عالقا اليوم من دون سبب مقنع. اذ اعلن وزير المالية ان المركزي قدم المعلومات الى شركة «الفاريز» (Alvarez)، وان الاخيرة صارت راضية وتعتبر المعلومات كافية لبدء عملها. وحتى الان، لا يبدو أن وزير المالية غازي وزني لا ينام الليل من اجل اعادة اطلاق مشروع التدقيق، بدليل هذا الصمت المريب الذي يلتزمه، رغم ان وزارته هي المسؤولة عن هذا الملف.
لماذا التأخير، وهل أصبحت قيمة العقد هي الحائل اليوم دون توقيعه، ام ان قرار التدقيق ممنوع، ولن يحصل حتى لو قدمته الشركة المدققة مجاناً؟
المصدر: السهم