سيدتان على الخط.. المنظومة معزولة

د.شادي مسعد

رغم المآسي المستمرة على المستوى المعيشي في لبنان، والمرتبطة بالوضع المالي والاقتصادي الذي يشهد المزيد من التدهور والانهيار، إلا أن المشهد الدبلوماسي غير المألوف كان طاغياً دون سواه على الأحداث التي شهدتها الساحة الداخلية في الايام القليلة الماضية.

ولم يقتصر هذا المشهد الاستثنائي على الطريقة التي استخدمتها السفيرة الفرنسية للرد على رئيس حكومة تصريف الاعمال، ولا حتى على المضمون القاسي، بل ايضا على المكان. اذ كان في الامكان الانتظار لاصدار بيان لاحق عن السفارة للرد على كلام حسان دياب، لكن السفيرة اختارت الرد فورا ومن منبر السراي الحكومي، بما أعطى ردها خلفيات متعددة.

في الموازاة، تحركت السفيرتان الاميركية والفرنسية في اتجاه السعودية لمناقشة ملف القضية اللبنانية من دون ان يتضح جدول الاعمال الدقيق لهذه المباحثات، واعتبر هذا التحرّك سابقة في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، لجهة تجاوز الدولة اللبنانية، والتصرّف كأن السلطة غير موجودة.

في غضون ذلك، كان السفير السعودي في لبنان يتحدث في بكركي عن العلاقات اللبنانية السعودية، ويتعهد بأن المملكة لن تقبل بتغيير هوية لبنان العربية.

هذه المشهدية استدعت الاستنتاج بأن الدول التي تتعاطى مع لبنان، بدأت تتصرف عمليا على اساس ان السلطة السياسية غير موجودة، وان على الدول ان تتحرّك من تلقاء نفسها لانقاذ الشعب اللبناني مباشرة. فهل ينجح النهج الدبلوماسي «الثوري» في التعاطي مع لبنان في إحداث خروقات ايجابية في جدار الأزمة، ام العكس صحيح، اذ قد تتأزم المواجهة أكثر بين المحاور، ويدفع لبنان ثمن هذا التصعيد الجديد؟

في تحرّك لافت له دلالاته المتعددة، باشرت السفيرتان الاميركية والفرنسية في بيروت، دوروثي شيا وآن غريو مهمة مشتركة في السعودية، تهدف الى بحث الملف اللبناني، من دون ان يتضح اذا ما كان الهدف من هذا التحرّك محصورا بمحاولة إحداث خرق في ملف تشكيل الحكومة، ام يتجاوز هذا الملف الى ملفات اخرى، منها على سبيل المثال الحث على تقديم مساعدات عاجلة الى الشعب اللبناني، والى مؤسسات حيوية مثل المدارس والمستشفيات، والمؤسسة العسكرية.

وفي بيان صادر عن السفارة الأميركية، ان «المحادثات في السعودية ستتطرق لخطورة الوضع في لبنان وستؤكد على المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني وزيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي اضافة الى العمل على تطوير الاستراتيجية الدبلوماسية للدول الثلاث التي تركز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة.»

خبر السفارة الاميركية تزامن مع بيان مماثل من السفارة الفرنسية يؤكد ان السفيرة ان غريو تتوجه الى السعودية إلى جانب السفيرة شيا، للقاء عددٍ من المسؤولين حيث ستشدد على وجوب ان يشكلّ المسؤولون اللبنانيون حكومة فعالة وذات مصداقية تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان، وفقاً لتطلّعات شعبه.

هذا التطور الخارجي، قرات فيه مصادر متابعة عودة للاهتمام السعودي بملف لبنان بعدما كانت المملكة تنأى بنفسها بالكامل عن الموضوع. وفيما اشارت المصادر الى ان هذه الاجتماعات المرتقبة تأتي استكمالا للقاء ايطاليا في 29 حزيران، رأت ان هذه الاجتماعات ما كانت لتحصل لو لم يأت الجواب السعودي ايجابيا بعد اجتماعات ايطاليا التي طلب خلالها وزيرا اميركا وفرنسا من نظيرهما السعودي جوابا حول ضرورة عدم سقوط لبنان وما يمكن القيام به لتفادي ذلك.

وبانتظار ما قد يرشح من الرياض، لم يرشح حكومياً من الداخل اللبناني سوى اخبار وتحليلات تفيد بالبحث عن البديل للرئيس سعد الحريري الذي يتردد انه حسم امره بالاعتذار.

لكن مصادر أخرى تؤكد ان الحريري لن يقدم الاعتذار على طبق من فضة لرئيس الجمهورية وهو لن يخرج خاسرا امامه لا بل سيسجل انه هو من سمّى رئيسا ينوب عنه موقتاً حتى الانتخابات النيابية.

اما في ما يتعلق بمروحة الاسماء المتداولة وترجيح البعض لكفة الرئيس ميقاتي ، فمصادر مقربة من ميقاتي نفسه اكدت ان كل ما نشر غير دقيق وان ميقاتي ليس في وارد هذا الامر من الاساس وهو اذكى من ان يكون «انتحاريا» في هذه المرحلة.

هذا الجو تقاطع مع ما قالته مصادر الرئيس فؤاد السنيورة عن ان ما حكي اعلاميا اخبار مختلقة ، وان «الرئيس الحريري مستمر وهو بطور اعداد تشكيلة لتقديمها الى رئيس الجمهورية».

وفي اطار لعبة الاسماء، كشفت مصادر أن فرنسا تريد ميقاتي رئيسا للحكومة فيما تزكّي السعودية فيصل كرامي في حين ان الحريري يفضل سمير حمود.

وتقول المصادر ان التنسيق سيكون كاملا بين بري والحريري وعندما يحين وقت الاعتذار فان اتفاقا سنيا شيعيا سيكون جاهزا على الاسم البديل.

في هذا الوقت، تقول مصادر مطلعة على الحراك الحاصل ان هناك 3 سيناريوهات للحسم الحكومي ‏المرتقب. السيناريو الاول يقول بتقديم الحريري ‏تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية تراعي قسما كبيرا من شروط ومطالب «الثنائي» عون- باسيل، ‏ما يؤدي تلقائيا الى توقيع الرئيس على مراسم التشكيل وانجاز العملية التي طال انتظارها. اما السيناريو الثاني فيقول ‏بتقديم الحريري تشكيلة جديدة تشبه تلك التي وضعها عون في الادراج فيرفضها الاخير على ان يقوم ‏الرئيس المكلف على الاثر بتقديم اعتذاره لخوض مواجهة مفتوحة مع العهد قبل الانتخابات المقبلة. اما ‏السيناريو الثالث فيتحدث عن اعتذار الحريري بعد الاتفاق على ملامح المرحلة المقبلة من خلال تسميته ‏شخصية تخلفه وتدير الانهيار والاستحقاق النيابي المقبل.

وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وصل زار بيروت وعقد لقاءات مع المسؤولين في مقدمهم رئيس الجمهورية، الذي شرح للوزير القطري ‏المعطيات التي أدت الى تفاقم الأزمة اللبنانية وتأخير تشكيل الحكومة، وقال ان قطر وقفت دائماً الى جانب ‏لبنان، واي خطوة يمكن ان تقوم بها للمساعدة على حل ازماته الراهنة، هي موضع ترحيب وتقدير من ‏اللبنانيين.‏

محطة بكركي

برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي وحضور السفير السعودي وليد بخاري، شكّل الاحتفال بصدور كتاب «علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية» للآباتي أنطوان ضو الأنطوني، مناسبة وطنية للتأكيد على أنّ هذه العلاقة «تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية – الإسلامية» وفق ما شدد الراعي، معدداً مآثر المملكة التي “فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسعَ يوماً إلى تحميله وزراً أو صراعاً أو نزاعاً، بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله، وكانت السعودية أول دولة عربية تعترف به سنة 1943 (…) واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم، ولم تعتدِ على سيادته ولم تنتهك استقلاله ولم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب ولم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته، بل كانت تؤيد لبنان في المحافل العربية والدولية وتقدم له المساعدات المالية وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصادية والعمرانية، وترعى المصالحات والحلول، وتستقبل اللبنانيين وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل، ولم تميّز بين لبناني وآخر بل كنا نستشعر احتضانها المسيحيين العاملين في أراضيها (…) ومن لا يكون مستقيماً في الدولة التي تحتضنه لا يكون أميناً للوطن الذي أنجبه».

وإذ نوّه البطريرك الماروني بالعروبة التي بدت مع السعودية «انفتاحاً واعتدالاً ولقاءً واحترام خصوصيات كل دولة وشعب وجماعة، والتزام مفهوم السيادة والاستقلال»، جدد بخاري في كلمته «العهد والوعد» من الصرح البطريركي باستمرار السعودية في لعب دور «نشر ثقافة السلام ومد جسور الوسطية والاعتدال وتعزيز سبل التعايش وحفظ كرامة الإنسان» مشدداً باسم المملكة على أنها «لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكوّن أساسي ووازن في الهوية المشرقية العربية الأصيلة».

الوضع المعيشي الى اسوأ

على مستوى المشهد الحياتي، استمرت الأزمات القائمة بالتفاعل، ولم يشهد البلد اي انفراجات، لا على مستوى تأمين المحروقات حيث استمرت طوابير الذل طويلة امام المحطات، ولا على مستوى الادوية التي ظلت مفقودة ودفعت الصيدليات الى اعلان الاضراب والاقفال حتى تعالج هذه الأزمة.

ورفع رئيس نقابة مستوردي الأدوية كريم جبارة الصوت عاليا، فقال : «وصلنا الى مرحلة ‏الخطر الكبير والى الخطوط الحمر فلا مخزون لمئات الادوية.»
وشدد على ان «المشكلة بالاساس مادية ‏فعلى ما يبدو لا عملات اجنبية للاستيراد. واذا اردنا ان نواصل الاستيراد يجب ان ندفع التراكمات السابقة ‏وديوننا التي بلغت 600 مليون دولار والا لن تسمح لنا المصانع الخارجية باستيراد المزيد».‏

الى كل ذلك، شكّل التطور في التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت مادة مهمة للمتابعة الشعبية، خصوصا لجهة موقف مجلس النواب لرفع الحصانات على النواب الذين وردت اسماؤهم في طلب المحقق العدلي الاستماع الى شهاداتهم في هذه الجريمة. وفي الاجتماع الاول لهيئة مكتب المجلس، لم يتم حسم الامر وتأجلت النقاشات الى جلسات مقبلة، في ظل رقابة لصيقةمن اهالي ضحايا الانفجار للضغط في اتجاه اجبار النواب على رفع الحصانات وارسال النواب المطلوبين للمثول امام القضاء.

المصدر: السهم