المدير العام السابق للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية والبلديات خليل الحجل … مسيرته الإدارية صفحات من ذهب
منذ اللحظة الأولى لتسلٌمه مهام المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية، نجح خليل الحجل في تفعيل موقعه وتعزيز لغة الحوار وترسيخ مبدأ الديموقراطية في تعاطيه مع الآخرين. لقد تمكٌن بالممارسة الحكيمة والموقف الموزون أن يغدو رائداً في الميدان الإنمائي وضامناً لسير سليم في عمل البلديات وأدائها.
كنا نجده في حركة دائمة، منغمساً في مشاغل إدارته ليفكّ لغزها ويطورها كونها على تماس مباشر بمصالح المواطن وشؤونه.
هو الرجل الذي يحتاجه الوطن في هذا المسار ، قدّم خدمات جليلة لرؤساء البلديات وعايش همومهم وشجونهم على مدى اثني عشر عاماً.
طوباوي النزعة، لم يرتد الأقنعة يوماً ولم تغره المناصب الفارغة . تمسّك بمبادئ جوهرية مكرّساً قسطاً من نفسه للعمل الخيري في زمن غابت عنه المفاهيم الحقيقية للحياة فأغنت عطاءاته حياته بالفيض الإيجابي وهذا الجانب أخفاه عن محيطه ولم يعلم به سوى الذين غمرهم كرم هباته المبعثرة في دوحة التراحم الإنساني، ما صنع له رصيداً سيبقيه حيٌاً في ضمير كلّ من عرفه أو تعرّف عليه وستبقى بصماته دامغة في ربوع لبنان من شرقه إلى غربه، من شماله إلى جنوبه، وستبقى صورته مثال الأمانة والنزاهة .
بمناسبة انتهاء خدمته كان لنا معه هذ الحديث الذي يلقي الضوء على جوانب مختلفة من مسيرة مشواره الطويل .
حاورته: ليندا زين الدين
أنا ممتنّ لدولة الرئيس ميشال المرّ
– كيف تختصر خليل الحجل؟
ولدت في الثاني من تموز سنة 1949، وتربيت في كنف عائلة نشأت على الشرف والكرامة واتخذت من الشهامة والأخلاق شعاراً لها وقد اقتبست عن آبائي وأجدادي القيم والتقاليد اللبنانية العريقة . تلقيت علومي الإبتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة وتابعت في متوسطة جل الديب الرسمية ومن ثم انتقلت إلى ثانوية الأشرفية وإلى دار المعلمين في جونية. بدأت التدريس عام 1968 ومارسته في المدارس الخاصة والرسمية لفترة 12 سنة.
انتقلت إلى وزارة الإتصالات وتابعت دورة تدريبية في مجلس الخدمة المدنية حيث تمّ ترفيعي إلى الفئة الثانية بعد تفوقي وحصولي على المرتبة الأولى ثم عينت مديراً عاماً في المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية والبلديات. نلت إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية وأنا في الثالثة والستين من العمر،إضافة الى إجازة في العلوم.
تحديت نفسي بهذا القرار…وكسبت الرهان واليوم أتابع دراستي لنيل إجازة في العلوم السياسية والإدارية.
– ألا ترّ إحالتك على التقاعد وأنت في أوج عطائك اغتيالاً لمرحلة مفصلية ما زالت تنبض بالحياة؟
كلا لا بدّ أن أمرّ بهذه الفترة وأختبرها لأن الحياة فصول ومراحل، وأنا اليوم أعيش مرحلة إنتقالية جديدة قد توفر لي إمكانية إعادة النظر بأمور كثيرة غفلتُ عنها في السابق .
– اعتبِرت مثالاً للموظف الأمين الذي مكث سنوات في خدمة الدولة،حصدت خلالها إعجاب وتقدير كل من عرفك. هل نظرتك للأمور مع مرور كل تلك السنوات أم أنك تعيش الحاضر بلحظاته؟
لم تختلف أبداً، فمن البديهي أن يأتي يوم وأتقاعد فيه وأن يأتي مسؤول آخر ليستلم المشعل ويتابع المسيرة كما فعلت بالأمس. من مصلحة الناس أن تخضع للسلطة كي تنال مرادها وأعتقد أنني أتممت واجبي على أكمل وجه بضمير حي وإخلاص، وأعمل حالياً على تقديم المشورة والنصيحة لمن يسألني ليستفيد الآخرون من خبراتي التي تراكمت على مدى أعوام . الى ذلك أتابع بعض المسائل المتعلقة بالبيئة والطرقات والسلامة العامة لإيجاد الحلول الناجعة لها .
– إلامَ تفتقر المديرية ؟
تعاني المديرية من نقص في عدد موظفيها وتفتقر للخبرات اللازمة وللتدريب السليم لإنجاز المعاملات بالشكل المطلوب وهذا ما يعيق تقدمها لذا لا بدّ من تطوير القدرات الذاتية التي ترتكز على جهاز بشري مؤهل وعلى هيكلية تنظيمية حديثة وآلية سير عمل واضحة من أجل تصحيح المسار بغية النهوض بالإدارة إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة على توفير الخدمات بالسرعة المطلوبة كي تصبح قادرة على مواجهة الأعباء الملقاة على عاتقها والتحديات المرتبطة بمضمون عملها. من هنا فإنّ عملية الإصلاح الإداري تنطلق من مبدأ تفعيل القدرات الإدارية والتنظيمية والفنية…
– لو لم تكن مقرباً من دولة الرئيس ميشال المرّ، هل كانت الفرصة ستتوافر لك لتعيٌن مديراً عاماً للإدارات والمجالس المحلية؟
بإمكاني القول أنه خلال ممارستي للوظيفة حرصت على تأدية مهامي بمهنية مطلقة ولم أتوان يوماً عن أداء واجباتي وقد تسلّحت بكفاءة عملت جاهداً على تفعيلها، لذا أعتبر من جهة أن قدراتي العلمية والخبراتية ساهمت في استلام هذا المنصب.لكني لا أنفي الحظ الذي لعب دوره والرعاية التي حصلت عليها .
– أنت تكنّ وفاءً شديداً له ولا تزال حافظاً له جميله . فماذا تقول له اليوم؟
من الطبيعي أن أكنّ له الوفاء فقد كان ومازال الأب العطوف والصديق الصدوق والراعي الصالح والحصن المنيع لنا جميعاً. وأنا ممتنّ له ما حييت، وأدعو الآخرين أن يبقوا على وفائهم له وأن لا يجعلوا الصداقة غاية مرحلية آنية، لأن الصداقة التي ترتبط بالمصلحة الشخصية ولا ترتبط بالمصلحة الشخصية لا رجاء منها وهي شبيهة بشبكة تلقي في بحر الحياة ولا تمسك غير النافع لها . فمن بادر بالجميل وعرف جزر حياتنا من الأجدر بنا أن نظهر له مدّها. أتمنى لدولته دوام الصحة والعافية والعمر المديد وأن يحقق أمنياته عبر أولاده وأحفاده .
– مَن مِن رؤساء البلديات كان الأقرب إليك؟
أكنّ المعزٌة والاحترام للجميع ، فقد تعاملت معهم بروحية وأسلوب موحدين ، ومع الوقت بتّ أشعرأنني صديق للعمل البلدي لذا أرفض أي تشويه قد يطال قدسيته.
لو كانت وزارة البلديات مستقلة وقائمة بحدّ ذاتها لطمحت ترأسها
– لم يخطفك وهج المسؤولية من المحيطين بك، لذا بقيت متواضعاً، سلساً، كريماً، ولم تبخل في تقديم النصح لقاصديك. ماذا حصدت من هذا الإطار الذهبي الذي تحصّنت به؟
ان رأي الناس أهم رصيد اتمسك به ولا وجود لأي ثروة مهما كانت كبيرة ان تعادله وكم تغمرني الفرحة عندما أصادف أناساً يبادروني ببسمة رضى تعبيراً عن امتنانهم، فأعظم لذة عرفتها هي أنني فعلت الفعل الطيب خفية ثم رأيته يظهر صدفة على وجوه حافظي الجميل من معارفي واصدقائي .
– أما زالت فكرة تبوء مركز وزاري أو نيابي تراودك؟
أنا طموح لا أنكر… وأبغى أن أوظف خبرتي التي نهلتها من الممارسة اليومية في القطاع الإنمائي بخدمة أبناء بلدي إذ لا توجد تنمية بمعزل عن هذا القطاع الحيوي لأن عبره تتسرب التنمية بعناوينها المتعددة وأهدافها الإجتماعية في المجتمع. فلو كانت وزارة البلديات مستقلة عن وزارة الداخلية لكان من المحتمل أن أطمح لها باعتبارها الأقدر على تلبية متطلبات الناس على مختلف الأصعدة كون العمل في الإدارات المحلية والشؤون البلدية يمثّل العصب الرئيسي في الهرم الإداري في الدولة بحيث لا يمكن إلا أن ينعكس إيجاباً في تحقيق الغاية المبتغاة في تقدّم البلد.
– ماذا سيكون المشروع الإصلاحي الذي من المحتمل أن تتبناه؟
لقد باشرت بوضع خطة عمل تناولت كيفية معالجة النفايات بالطرق الحضارية، معالجة مياه الصرف الصحي، الحفاظ على مصادر المياه ومجاري الأنهر، إيجاد مراصد لتنقية الهواء، إيجاد استراتيجية للوقاية من حرائق الغابات… فعلى الصعيد الوظيفي أنجزت الكثير بهذا الشأن وبنيت أسساً متينة للمعالجة تصلح للتطبيق مستقبلياً.
– كيف تصف الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة العربية؟
لا شك أننا نشهد ادق واصعب مرحلة تمر في تاريخ العالم العربي ونحن نتلقى مضاعفات انعكاساتها، وهي أقرب بكثير إلى الخريف العربي منه إلى ربيعه.
– كيف تترجم علاقتك بالوزير مروان شربل؟
إنها علاقة مودة واحترام، فخلال عملي الإداري لم تتغير مبادئي التي اؤمن بها وهي ثلاثة : قناعاتي، ضميري، وتوكلي على الله تعالى وكنت أقول لكل وزير جديد يتسلم وزارة الداخلية والبلديات ” هل من توجيهات أخرى؟؟”. من هذا المنطلق أعتقد أنني حرصت كلّ الحرص على ترك أثر طيب وانطباع محبّب لدى الجميع. وأقول لمعالي الوزير : ” ومثل ما كان قلبك على الرياضة (كرة الطائرة) أيام كنا سوياً في ريعان الشباب، اليوم قلبك على لبنان، لكن للأسف كثر هم من لا يفهومك…”
– ماذا تقول للمدير الجديد؟
اقول له : أتمنى لك التوفيق و “طولة البال ” والمثابرة على عملك بإخلاص
الوجه الآخر
– كيف تمضي نهارك؟ وهل ضجيج الهاتف والمراجعات الروتينية ما زالا يلاحقانك؟
أمضي نهاري بين ممارسة الرياضة وتلبية المناسبات الإجتماعية، ومتابعة شؤون أولادي كما أولي اهتماماً خاصاً بصحتي التي أهملتها لسنوات. أما فيما يخصّ الضجيج فأفتقده كثيراً لأنني تآلفت معه وبات جزءاً من حياتي اليومية .
– ألا تشعر بالغربة في سكينتك هذه؟
كلا لأنني لأني لا اشعر بسكينة تامة. ما زلت أعمل منفرداً ضمن الإطار الإصلاحي وألقي الضوء على الشوائب التي تنعكس سلباً على صحة المواطنين وسلامتهم لأن المثابرة في تحقيق الأفضل تجلب لي السعادة.
– تعيش الآن فترة هدنة ونقاهة،ما هي المحطات التي تستذكرها بعد رحيلك وماذا تبقى منها ؟
لا أنسى يوم بدأت مهنة التدريس ولا أنسى أسلوبي بالتعاطي مع عملي المستمر لساعات طويلة. دائماً كنت مشحوناً بالطاقة الإيجابية، كنت أتوق إلى المتابعة والبحث وأثناء تدريسي لمادة العلوم الطبيعية والأعمال المخبرية في المدارس الخاصة والرسمية كنت أعطي نفس المادة بذات الطريقة والأسلوب بالمدرستين وتأتي النتائج واحدة . أما بالنسبة لعملي بالمديرية فكنت أسخّر كل طاقاتي له وأواجه الحرب التي استهدفتني بصمت واحقق الإنجاز تلو الآخر لأن التاريخ لا يرحم بل يسجل في صفحاته النجاحات كما الإخفاقات.
– ماذا عن عائلتك؟
متزوج من إيفلين سلامة حداد، توّج زواجنا ب4 أولاد كلود وهي سفيرة في أوكرانيا، فادي مهندس إلكتروميكانيك ويعمل في المملكة العربية السعودية، عصام مهندس اتصالات ويدير شركة QTS ، ونيكول مجازة في الإعلام وتعمل في الـ ال. بي .سي كمقدمة لنشرة الأخبار.
– إلامَ تفتقد؟
أفتقد إلى الإنتاجية والديناميكية اللذين لازماني طيلة 45 و8 أشهر و19 يوماً .ففي الأمس لم أكن أجد وقتاً للراحة نظراً للإنشغالات اليومية التي حاصرتني ما ولد لدي نمطا حياتيا خاصاً مناطاً بحبّ العطاء.
– علامَ تأسف؟
على الصعيد الشخصي، أتأسف على العمر الذي مضى على غفلة من أعوامنا. فبمروره خطف منا جلبة أحلامنا وأمانينا فلم ندرك تسارع خطواته إلا في يقظتنا المتأخرة. أما على الصعيد العام، أتأسف على الوطن الذي نسفت الحرب حضارته وأعاقت ازدهاره ما أدى إلى عدم مواكبته للتطور والحداثة أسوة بالبلدان المتقدمة
– ناصرت المستضعف وتشبثت بقيم أثمرت عطاءً. من أين استمديت هذه الميزة؟
استمديتها من إيماني بالعدالة الإجتماعية والمساواة ومن اضطهادي للإستغلال والإستضعاف. أهوى مساعدة الناس، جميل أن نعطي من يسألنا ما هو بحاجة إليه . إنماالأجمل أن نعطي من لا يسألنا ونحن ندري حاجته به؛ لذا أعطي من ذاتي ليكون لعطائي قيمة روحية ومعـنوية وانا اشعر في سعي هذا بفرح داخلي وبارتياح نفسي لا مثيل له .
– متى بكيت؟
عندما توفيت والدتي وبعدها والدي.
– ماذا تعني لك الصلاة ومتى تلجأ إليها؟
ألجأ إليها كلّ يوم ويتجّذر إيماني بها أكثر في الأيام الصعبة وحالات المرض.
– هل أنت مدين لأحد؟
أنا مدين لكلّ من قدّم لي النصيحة في بداياتي ووقف إلى جانبي ومدّ لي يد العون وخير مثال على هؤلاء الأب والصديق والأخ دولة الرئيس ميشال المرّ.
– لو لم تكن خليل الحجل،هل كنت لتختار ان تكون شخصاً آخراً؟
أبداً.