ماذا سيحصل مالياً اذا نجح التأليف أو فشل؟

د. شادي مسعد

المشهد الاقتصادي في البلد في الايام القليلة المقبلة مفتوح على احتمالين :

الاحتمال الاول، سينجح الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل حكومته في فترة قصيرة.

الاحتمال الثاني: سيواجه ميقاتي صعوبات في التشكيل، وسيعمد الى الاعتذار بسرعة، او انه سيعيد تجربة السلف في تمرير وقت طويل في المراوحة والانتظار بلا افق.

إذا نجح ميقاتي في التأليف السريع ستصبح مهمته الاقتصادية محصورة في وضع خطة انقاذ بالاتفاق والتعاون مع صندوق النقد الدولي. فهل ان مهمة من هذا النوع ستكون سهلة ومسهّلة من قبل الاطراف المعنية؟

لا شك في أن صعوبات لا يستهان بها ستواجه مشروع اقرار الخطة، من اهمها:
اولا- كيفية توزيع الخسائر. هذا الموضوع سيكون شائكاً لجهة اشراك الدولة في تحمّل قسم من الخسائر. ومن المعروف ان الخطة التي وضعتها حكومة حسان دياب أعفت الدولة اللبنانية من المشاركة في تحمّل الخسائر، وتعرّضت الخطة في حينه لمعارضة شرسة من قبل المصارف التي طالبت بانشاء صندوق سيادي يضمّ مؤسسات وممتلكات عامة باشراف مصرف لبنان ليكون بمثابة شريك ضامن في موضوع الخسائر. وقد اختارت المصارف البنك المركزي لأنها تعلم ان القسم الاكبر من اموالها موجودة في المركزي، وهو عاجز عن اعادة هذه الأموال المقدّرة بين ٧٠ و٨٠ مليار دولار.

تكمن الصعوبة في هذا الموضوع أن أطرافاً سياسية قد ترفض اشراك الدولة في تحمل الخسائر، بالاضافة الى أن مؤسسات الدولة واملاكها فقدت نسبة كبيرة من قيمتها منذ سنتين حتى اليوم. ولن يكون سهلاً على الحكومة ورئيسها اتخاذ قرار قد يثير نقمة الناس في زمن الانتخابات التي أصبحت على الابواب.

ثانياً – مضى على خطة حكومة دياب حوالي ١٥ شهراً ونيف، ومنذ نيسان ٢٠٢٠ حتى آب ٢٠٢١، تغيرت كل الارقام والمعطيات، والخسائر التي قدّرتها الخطة السابقة بحوالي ٥٠ مليار دولار قد تكون ارتفعت إلى ٧٠ أو ٨٠ ملياراً. هذا الوضع الجديد سيحتّم تحديد نسبة مرتفعة من الاقتطاع من الودائع (haircut). هذا الأمر سيُشجّع عليه صندوق النقد الدولي على اعتبار انه يساعد في تسهيل تنفيذ خطة الانقاذ في مهلة معقولة قد تتراوح بين ٤ و٥ سنوات. في حين ان تحاشي الهيركات، او الاكتفاء باقتطاع نسبته ضئيلة يعني عملياً تمديد فترة انجاز اي خطة الى اكثر من عشر سنوات، وهذا الامر لن يوافق عليه صندوق النقد.

وهنا ايضاً ستكون الحكومة في مواجهة معضلة معقّدة لن يكون سهلا اتخاذ قرار حاسم في شأنها.

لكن هذا المشهد على صعوبته يبقى أسهل، وأقل خطورة من الاحتمال الثاني، أي فشل التأليف السريع واعتذار ميقاتي او استمراره كرئيسٍ مكلّف لفترة طويلة. في هذه الحالة سيكون المشهد سوداوياً اكثر، بالنسبة للاقتصاد ولوضع الناس في ظل تدهور اقتصادي اضافي. وفي غياب الحكومة، وفي ظل الاستعداد للانتخابات النيابية، لا يمكن لعاقل ان يتوقّع وقف الانفاق مما تبقى من أموالٍ في البنك المركزي، خصوصاً أن سعر صرف الدولار سيشهد انتكاسات سريعة تؤدي الى فقدان الليرة المزيد من قدرتها الشرائية، وبالتالي سيؤدّي رفع الدعم كليا الى مجاعة حقيقية على مستوى شريحة واسعة من اللبنانيين، وهذا الامر سيشكل خطراً على الأمن الاجتماعي. وبالتالي، من المرجّح ان يستمر الانفاق من الاحتياطي الالزامي وسينتقل البلد الى مرحلة أشد خطورة وصعوبة على الجميع.

في النتيجة كل الخيارات صارت مُكلفة وموجعة، لكن خيار تشكيل حكومة واقرار خطة انقاذ، ومهما كانت الكلفة مرتفعة، يبقى خياراً الزامياً لا بدّ منه، لأن خيار اللاحكومة واللاخطة مجرد انتحار لا يوجد ما هو أسوأ منه على الاطلاق.

السهم