د. شادي مسعد
شكّل تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، الحدث الأبرز الذي تمحورت حوله القراءات والتحليلات هذا الاسبوع، والتي تراوحت بين التفاؤل المفرط والتشاؤم غير المبرّر.
انقسمت القراءات حيال هذا التطور بين نظريتين:
النظرية الأولى تتحدث عن معطيات تسمح بالقول أن ميقاتي، وعلى عكس الحريري، يتمتّع الى جانب الدعم الدولي بدعم سعودي، ولا توجد حساسيات بينه وبين العهد وبالتالي سيكون من السهل عليه تشكيل حكومة تحظى بتوافق داخلي ورعاية خارجية. كما أن ميقاتي وفق النظرية نفسها ليس مقيدًا في خياراته ويملك هامشا اكبر من الحريري في المناورة.
النظرية الثانية تعتبر أن ميقاتي انطلق مقيداً بمجرد أنه جاء بدعم من نادي رؤساء الحكومة بحيث أنه بدا وكأن مهمته هي استكمال ما بدأه الحريري أي استهلاك الوقت واضعاف العهد.
بين النظريتين هناك خيط رفيع يمكن الاستناد اليه كمساحة مشتركة بين التفاؤل والتشاؤم تقود إلى الاستنتاج ان ميقاتي سينجح في تشكيل الحكومة من دون أن يعني ذلك أن حكومته ستكون بداية الإنقاذ، بل في احسن الاحوال قد تصبح حكومة تخفيف الخسائر في الوقت الضائع بانتظار استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة.
وهذا يعني وفق المفهوم الدولي منع الانهيار الكامل لتحاشي انفجار الوضع الاجتماعي وربما الأمني لتوفير المناخ المناسب لاجراء الانتخابات النيابية، ومن بعدها لكل حادث حديث.
كان الأسبوع قد بدأ بمشاورات مُلزمة أجراها رئيس الجمهورية مع النواب وأفضت بعد أكثر من 7 ساعات (من العاشرة والنصف صباحاً إلى الخامسة، إلى تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة بأغلبية 72 صوتاً، وحصول السفير نواف سلام على صوت واحد، وامتناع 42 نائباً عن التسمية، وغياب 3 نواب.
وكان لافتا امتناع تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل، وتكتل الجمهورية القوية الذي يمثل “القوات اللبنانية”، عن التسمية.
وعلى قاعدة “خير الكلام ما قل ودل”، حدّد ميقاتي عناوين مهمته: فهو يلتقط المهمة ”للحد من النار” مؤكدا الحكومة ستشكل “لتنفيذ المبادرة الفرنسية، والتي هي لمصلحة لبنان والاقتصاد اللبناني وانهاضه”.
تجاوز الرئيس المكلف مسألة الامتناع عن التسمية، معترفاً بصعوبة المهمة و”قرار الاقدام على وقف تمدد الحريق” بتعاون الجميع، معتبراً ان ثقة النّاس هي الأساس، وهو لا يمتلك على حدّ تعبيره عصا سحرية، معرباً عن اطمئنانه إلى التعاون مع عون فأنا “منذ فترة ادرس الموضوع، ولو لم تكن لدي الضمانات الخارجية المطلوبة لما أقدمت”.
وكان ميقاتي، وبعد إنهاء المشاورات الملزمة، توجه الى بعبدا وانضم إلى اللقاء الذي كان منعقداً بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي نبيه برّي.
في الاجتماع أبلغ ميقاتي ان مرسوم تكليفه رئاسة الحكومة قيد الاعداد، انطلاقاً من حصيلة الاستشارات، وسط نوايا طيبة بالتعاون حول الخطوة التالية وهي تأليف الحكومة.
واعتبر الرئيس برّي لدى مغادرته بعبدا ان “العبرة في التأليف”.
وأفادت معلومات صحافية ان اللقاء الرئاسي الثلاثي بعد استشارات التكليف ساده مناخ يتصل يالاستعجال في تأليف الحكومة. وقالت مصادر سياسية مطلعة ان هناك سلسلة مؤشرات برزت بشأن هذا المناخ انطلاقا من كلام رئيس الجمهورية حول قدرة الرئيس ميقاتي على تدوير الزوايا وكلام ميقاتي عن الضمانات الخارجية والتعاون مشيرة إلى أنه في حال سار مسار التأليف على ما يرام فإن التأليف لن يستغرق أياما نافية أن يكون هناك مهلة شهر
وقد تلا التكليف المشاورات التي أجراها ميقاتي كرئيس مكلف على عجل مع النواب. وتوجه بعد استراحة قصيرة الى قصر بعبدا، حيث أطلع رئيس الجمهورية ميشال عون على تفاصيل الاستشارات، وقال من القصر الجمهوري: لخّصت الموضوع، كما سبق وقلت صباحاً في المجلس النيابي، بالسرعة المطلوبة لتشكيل الحكومة، وفخامة الرئيس وانا محافظان على وتيرة السرعة هذه. يمكنني ان أقول اننا دخلنا في بعض التفاصيل، وكانت الآراء متطابقة بنسبة كبيرة جدا جدا، وان شاء الله سنلتقي في اجتماعات متتالية خلال اليومين المقبلين، وبإذن الله سنشهد حكومة قريباً
الى ذلك، جرى التركيز على تشكيلة اولية قدمها ميقاتي الى رئيس الجمهورية من ٢٤ وزيرا هي بمثابة تصور اولي.
وقالت مصادر مطلعة أن الرئيس عون سارع إلى تقديم ملاحظات على تُصوّر ميقاتي، على ان يتوسّع بالملاحظات بعد درسها بما يتناسب والتوجهات المتفق عليها.
وأشارت مصادر سياسية مطلعة أن اللقاء الثاني بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي اقتصر على توزيع أولي متصل بالطوائف وأكدت أن الصيغة خلت من الأسماء وإن ما يناقش بينهما يستكمل في جلسات متتالية لأنه حتى الآن هناك مناخ من التعاون وفق سقف الالتزام بحكومة تعمل على الإنقاذ.
لكن المصادر تخوفت من عقدة الداخلية في ضوء ما كشفه النائب جبران باسيل من مطالبة رئيس الجمهورية مراراً وتكراراً، بوزارة الداخلية التي ستشرف على الانتخابات النيابية المقبلة، بالإضافة الي تسمية وزير المالية، أو على الأقل، ان يحظى بموافقته، وليس فقط من “الثنائي الشيعي”. ولكن المعلومات الاولية تحدثت عن عقدة اضافية، إذ افيد ان الصيغة الاولية التي قدمها ميقاتي تتضمن إسناد الداخلية الى سني والدفاع الى مسيحي من ضمن الحقائب السيادية الاربع. ما يعني العودة الى ما طرحه الحريري ورفضه عون، الذي أصرّ على الداخلية والعدل وقتها الى جانب الدفاع، لكن الحريري رفض إسناد حقيبتين سياديتين لفريق سياسي واحد مع حقيبة العدل.
وأفادت أن التوزيع العام للحقائب ما زال محور أخذ ورد وإن حقيبة الداخلية هي مسألة رئيسية لكن في الإجمال عملية التوزيع لم تحسم بعد.
وقالت المصادر ان الوزراء سيكونون حاملي صفات الاختصاص وهناك تفكير في التواصل مع شخصيات وزّرت سابقا في حكومة الرئيس الحريري، وتجنّبت الدخول في زواريب السياسة ولها علاقاتها الدولية.
ومع اقتراب نهاية الاسبوع، اعلن ميقاتي في حديث تلفزيوني ان من الصعب ان ترى الحكومة النور قبل الرابع من آب بما يؤكد ان الافراط في التفاول في امكانية تشكيل سوبر سريع للحكومة ليس في محله.
الوضع المعيشي
على المستوى الاقتصادي استمرت الأزمات ضاغطة، من المحروقات الشحيحة في الاسواق، الى الدواء المفقود الى الكهرباء التي صارت مثل قصة ابريق الزيت.
وفي السياق، أعطى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني موافقته بفتح اعتماد مستندي بقيمة 35،472،360 دولار أميركي لتغطية ثمن شحنة مادة الغاز أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
الى ذلك، سجل سعر صرف الدولار تراجعا فور الاعلان عن تكليف ميقاتي، وهبط حتى لامس ال١٦ الف ليرة، ثم ما لبث ان ارتفع بحيث بات في حال مراوحة بين قعر يبلغ ١٨ الف ليرة، وسقف يصل الى ١٩ الف ليرة.
الوضع الصحي
صحياً، ارتفعت الاصابات بكورونا لتتجاوز الالف اصابة يوميًا، وسجلت وزارة الصحة العامة 1224 إصابة في يوم واحد، وقد ارتفع العدد التراكمي إلى 558369 إصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط 2020.
وعزا عضو لجنة كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري سبب الزيادة الكبيرة في عدد الإصابات الجديدة بفايروس كورونا إلى تراجع الالتزام بالاجراءات، وعدم الرقابة في فتح البلاد على مصراعيها، والتقليل من اتخاذ الإجراءات الوقائية، في أماكن السياحة والعمل، فضلاً عن الكثافة التي يشهدها مطار رفيق الحريري الدولي مع غزارة وصول المغتربين ربطاً بتدني سعر الصرف.
وارتفعت اصوات محذرة من ان القطاع الصحي بوضعه الحالي لن يصمد امام اي موجة جديدة من كورونا.
الشمال يحترق
الى ذلك، بدت أحراج منطقة عكار وصولا الى الهرمل وكأنها تحترق بالكامل بسبب اندلاع حرائق متعددة اتت على مساحات شاسعة من الإحراج الخضراء المعمرة.
وعجز الاهالي عن اخماد النيران بالتعاون مع الدفاع المدني. وقد تدخلت طوافات الجيش اللبناني وساهمت في اطفاء النيران في المناطق الوعرة التي لا تصل اليها السيارات.
واعتبرت حرائق الشمال بمثابة كارثة بيئية جديدة تنضم الى الكوارث البيئية التي تصيب البلد تباعاً، إما لعوامل طبيعية أو بسبب الاهمال أ عن قصد جرمي يهدف إلى الأذية أو إلى تأمين اشجار محروقة لصناعة الفحم.
السهم