د. شادي مسعد
بدأت الملامح الاقتصادية الصعبة والمعقدة في الظهور في هذه المرحلة. ويبدو واضحاً من البيان الاخير الذي أصدره مصرف لبنان ان استمرار الدعم، حتى الحد الأدنى كما هو اليوم، لفترة طويلة بات من المستحيلات وبالتالي صار لزاماً على المسؤولين الأخذ في الاعتبار ضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة لتحاشي انهيارات سريعة في القطاع الخاص واستطرادا في قدرات المواطنين على مواجهة الصعوبات المعيشية التي سوف تستجد.
من خلال المؤشرات الحديثة، والمتعلقة على سبيل المثال، برفع تسعيرة دعم المحروقات الى ١٤ الف ليرة للدولار عبر منصة خاصة بالمحروقات يتبين ان المركزي سيعمد، وفِي أحسن الحالات الى ترشيد ذاتي للدعم.
ولمزيد من الشرح، نوضح ان مصرف لبنان سوف يستفيد من انشاء منصة المحروقات على الشكل التالي:
اولاً، سيؤدّي انشاء المنصة الى خفض نسب استهلاك المحروقات بسبب ارتفاع اسعارها، وبسبب تحديد هوية من يستفيد منها، بما يعني ان قسما من اللبنانيين لن يتم قبول طلباتهم لشراء المحروقات عبر المنصة.
ثانياً، من خلال احتساب دولار المحروقات على ١٤ الف ليرة في حين ان سعر الدولار حاليا في السوق الحرة يتراوح بين 20 و21 الف ليرة، فهذا يعني حسابياً ان المركزي يريد ان يدفع فقط ما يوازي ٢٠ إلى ٥٠ ٪ من الفاتورة. وإذا اخذنا في الاعتبار تراجع الاستهلاك وتراجع عدد المستفيدين من المحروقات المدعومة قد نصل الى استنتاج منطقي بأن فاتورة المحروقات (بنزين) المدعومة قد تتراجع من حوالي مليار دولار في السنة الى حوالي ٥٠٠ مليون دولار، سيدفع منها المركزي حوالي ١٠٠ مليون دولار فقط، وهذا امر مقدور عليه.
لكن يبقى السؤال كيف سيوفّر مصرف لبنان دولاراته طالما انه يموّل بالدولار ويقبض عبر المنصة بالليرة؟ الجواب ان المركزي سيدخل لاعباً في السوق الحرة وسيستخدم الليرات التي يحصل عليها لاعادة شراء الدولار. بما يعني ان المركزي سيدفع سنوياً ٥٠٠ مليون دولار فاتورة استيراد البنزين وسيستعيد منها عبر شراء الدولار حوالي ٤٠٠ مليون دولار.
ويبدو ان مصرف لبنان ينوي اتباع خطة المنصات الخاصة لترشيد الدعم على كل السلع التي قد يضطر الى الاستمرار في دعمها، ومنها على سبيل المثال ايضاً الادوية الحيوية وبعض المستلزمات الطبية، حيث سيعمد الى انشاء منصة خاصة بلائحة محددة من الادوية المصنّفة ضرورية وسعرها مرتفع وليس في متناول المواطن، بالاضافة الى بعض المستلزمات الضرورية والحسّاسة، وهنا أيضاً، ستنخفض الفاتورة التي سيدفعها المركزي سنويا الى ما دون الـ٣٠٠ مليون دولار سيسترد منها عبر اعادة شراء الدولار حوالي ٢٤٠ مليونا.
وبهذه الطريقة سيكون المبلغ الذي سيحصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي في الايام المقبلة (٨٦٠ مليون دولار) كافياً لتغطية القسم الاكبر من انفاق المركزي خلال سنة كاملة.
من خلال مثل هذه الآليات سيكون الدعم تراجع الى مستويات قياسية وخفّ الضغط على ما تبقى من احتياطي عملات في مصرف لبنان. لكن السؤال الأهم كيف سيتمكّن القطاع الخاص من الاستمرار في ظروف مشابهة حيث سيصبح راتب الموظف غير كافٍ لدفع فاتورة النقليات من والى مركز عمله، وما سيكون مصير المؤسسات مع تراجع القدرات الشرائية بما لا يقل عن ٤٠ او ٥٠٪ اضافية عمّا هي عليه اليوم؟ واذا انهار القطاع الخاص اكثر كيف ستنجح خطط التعافي ما دام القطاع الخاص هو دينمو النمو الاقتصادي في الاقتصاديات الحرة الشبيهة بالاقتصاد اللبناني؟
هذا الوضع ينبغي ان يتم التنبّه اليه منذ الان عبر خطة خاصة تعالج هذه الناحية في الأزمة، خصوصا ان البدء بخطة انقاذ، اذا بدأ، سيكون قاسياً على الجميع. وبالتالي يحتاج البلد الى آليات محددة تتعلق بدعم الموظف ودعم المؤسسات لضمان استمراريتها بانتظار ان يبدأ التعافي الاقتصادي والمالي، والمرجح ان يبدأ فعليا، اذا لم تحصل مفاجآت بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
السهم