د. شادي مسعد
اذا كانت كلمة تشاؤل، والتي تعني التفاؤل مضافاً اليه التشاؤم، هي من اختراع لبناني، فانها تبدو في هذه المرحلة في موقعها الصحيح. وتختلط المؤشرات السلبية والايجابية في كل مفاصل المرحلة بحيث صار يصعب ترجيح كفة على كفة.
من جهة، هناك اهتمام دولي واضح بدعم لبنان ومنع انهياره بالكامل، وتمثل هذا الاهتمام بالمؤتمر الدولي الذي قادته فرنسا بمبادرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومن جهة أخرى هناك ما يشبه الغيبوبة المستمرة على مستوى الدولة والسلطة، بحيث ان ملف تشكيل حكومة جديدة لا يزال عالقا منذ ما يقرب العشرة أشهر. وحتى الان، ورغم طوي صفحة سعد الحريري ومجيء نجيب ميقاتي الذي لا توجد حساسية او خلافات شخصية بينه وبين رئيس الجمهورية، إلا ان المهمة لا تزال تبدو صعبة ومعقدة، وهي لا تزال تتأرجح من دون ان يتضح كيف ستنتهي.
في الموازاة، يزداد منسوب الغضب الشعبي جراء استمرار الجمود السياسي والانهيار المعيشي والاقتصادي. وقد تحول احياء ذكرى الانفجار في مرفأ بيروت في 4 آب الى يوم غضب شعبي، حيث تمّ تنظيم تحركات شعبية واسعة، تحول بعضها الى اعمال عنف ومواجهات بين المحتجين والقوى الامنية. وأدّى ذلك الى سقوط عدد من الجرحى في صفوف الطرفين.
في غضون ذلك، ظلّ سعر صرف الليرة متأرجحاً، يرتفع قليلا مع هبوب رياح الأمل في نجاح مهمة تشكيل الحكومة، ثم ما يلبث ان يتراجع كلما تراجعت مؤشرات النجاح الحكومي، فيما الأزمات الحياتية على حالها، مع تسجيل تفاقم اضافي في أزمة الكهرباء بسبب فقدان المازوت، واعتماد المولدات برامج تقنين قاسية، بما يؤدي الى انقطاع التيار عن المنازل والمؤسسات لساعات طويلة.
سجّل عدّاد زيارات الرئيس المكلف الى قصر بعبدا حتى نهاية الاسبوع خمس زيارات لم يتبين خلالها ان هناك تطورا حقيقيا في مسار التأليف. ورغم ان ميقاتي يبدّل في اسلوب تصاريحه بعد كل لقاء مع رئيس الجمهورية للايحاء ربما بوجود تغييرات الا ان المضمون لم يتغيّر، وهناك من يؤكد ان مسيرة التأليف لم تتقدم ولا قيد انملة.
في التفاصيل، لا تزال العقدة التي ورثها ميقاتي عن الحريري هي نفسها، وهي تركة ثقيلة تتعلق بوزارة الداخلية التي يصر رئيس الجمهورية على ان تكون من حصته، الى جانب وزارة العدل. وفي المعلومات المتداولة ان ما اعلنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يختصر الموضوع: اما مداورة على مستوى كل الوزارات السيادية واما من حق رئيس الجمهورية المطالبة بأي حقيبة سيادية.
هذا الموقف يعني مباشرة الطرف الشيعي في المعادلة. اذ يصر رئيس مجلس النواب على ابقاء وزارة المالية مع الشيعة، وتحويلها الى ثابتة من خلال الايحاء بأنها واردة في مداولات الطائف بما يعني انه يسعى الى ان تكون ضمن الدستور ولا يمكن تغييرها الا من خلال تعديله. هذا الموقف يدعمه ايضا حزب الله وبقوة، بما يجعل محاولات تغييره صعبة في الوقت الحاضر.
انطلاقاً من هذا الوضع هناك شكوك مبرّرة في امكانية نجاح ميقاتي حيث فشل الحريري، ولو ان البعض في المقابل يعتبر ان المجتمع الدولي سيتدخل عبر الترغيب والترهيب في محاولة لانجاح مهمة تشكيل حكومة تكون قادرة على منع الانهيار التام، بانتظار استحقاق الانتخابات النيابية. ويعوّل البعض على العقوبات الاوروبية لتكون العصا الغليظ الذي قد يتم استخدامه لاقناع من يعنيهم الامر بتسهيل ولادة الحكومة.
٤ آب…وصواريخ الجنوب
في هذا المناخ التشاؤلي على مستوى تشكيل الحكومة، شهد البلد تطورات مفتوحة على اكثر من احتمال. التطور الاول تمثل في يوم الغضب والتحركات الذي احيته قوى معارضة في ذكرى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب ٢٠٢٠، وتمثل التطور الثاني في تبادل القصف الصاروخي والمدفعي على الحدود اللبنانية الاسرائيلية. وبعدما جرت العادة عندما كان يطلق صاروخ او اكثر من الاراضي اللبنانية بأن ترد إسرائيل بقصف مدفعي محدود، حصل امر مختلف في ٤ آب، وبدلا من الرد المدفعي، استخدمت اسرائيل الطيران لشن غارات على مناطق لبنانية. هذا التغيير في الرد، والذي اعتبر بمثابة محاولة اسرائيلية لتغيير قواعد الاشتباك، استدعى بدوره ردا مباشرا من حزب الله، عبر اطلاق صواريخ في اتجاه اسرائيل.
هذه المستجدات أقلقت الاوساط المراقبة على اعتبار انها تزامنت مع توترات اسرائيلية ايرانية في البحر، وتبادل الاتهامات والتهديدات، بما أوحى انه قد يكون هناك قرار بالتصعيد. ومن البديهي ان لبنان معني مباشرةً بأي مواجهة إيرانية اسرائيلية لأن حزب الله سيكون حتماً ضمن هذه المواجهة. لكن، وبرغم هذا التصعيد، بقيت المعلومات والتحليلات تميل الى استبعاد نشوب حرب شاملة، على اعتبار ان الطرفين لا مصلحة لهما في الحرب اليوم. في النتيجة، وبصرف النظر عن التطورات الميدانية، اثار هذا الموضوع جدلاً سياسياً في الداخل، حيث انبرى خصوم حزب الله لاتهامه بتنفيذ أجندا ايرانية، وتعريض لبنان لخطر التدمير الشامل من خلال المجازفة بافتعال حرب مع اسرائيل. كذلك، سُجلت سابقة من خلال حصول توتر على خلفية اعتراض اهالي بلدة شويا لشاحنة تابعة لحزب الله تحمل الصواريخ لاطلاقها باتجاه اسرائيل.
في التطور الآخر المرتبط بالتحركات الشعبية في ذكرى 4 آب، ورغم اعتراف الجميع بوجود نقمة لدى الناس حيال الطبقة السياسية بشكل عام، الا ان بعض القوى تحاول برأي مراقبين الافادة من هذه النقمة لاعلان افتتاح الحملة الانتخابية النيابية. وسواء عن قصد او عن غير قصد، جاءت بعض الكلمات التي القاها سياسيون معارضون ورؤساء احزاب في المناسبة، لتعكس هذا التوجّه.
الوضع المالي
في هذا المناخ السياسي الغامض، والتطورات الميدانية غير المريحة، من البديهي ان الوضع الاقتصادي والمالي استمر على رتابته في المسار الانحداري، ولو ان سعر صرف الليرة ظل مستقراً الى حدٍ ما. وفي غضون ذلك، تفاقمت أزمة الكهرباء والمياه. ومع نفاذ المازوت، اتبعت المولدات الخاصة نظام تقنين قاسياً، وخيّمت العتمة على معظم المناطق في ظروف مناخية حارة. كما ان برادات المنازل لم تعد صالحة لتخزين الطعام. كذلك تعطل العمل في بعض المؤسسات التي باتت عاجزة عن تأمين الانارة والتبريد لموظفيها. وهكذا بدا المشهد تعيساً وظالماً في البلد، في ظل انسداد أفق الحلول حتى الان.
السهم