د. شادي مسعد
في ظل الانهيار شبه الكامل للاقتصاد، تبرز جهود دولية تهدف إلى مساعدة لبنان على الصمود رغم قساوة الظروف المالية والاقتصادية القائمة. وتأتي المؤتمرات الدولية المخصّصة لمساعدة لبنان واللبنانيين بمثابة اشارة خارجية واضحة الى وجود رغبة دولية في منع انزلاق وطن الرسالة الى منحدرات يصعب الخروج منها في المستقبل. فهل ان هذه المؤتمرات تؤدي فعلا الى عملية انقاذ للوضع القائم، أم أنها مجر تحركات كلاسيكية هي أشبه بعملية رفع عتب، لأنّ قرار الدعم الفعلي غير متخذ حتى الساعة؟
من خلال نتائج المؤتمرات التي عقدت حتى الان، وآخرها المؤتمر الدولي الذي عقد في 4 آب، بالتزامن مع الذكرى السنوية الاولى لانفجار المرفأ، يمكن القول ان المجتمع الدولي مهتم بلبنان، واذا كان الانقاذ بمفهومه الشمولي متعذّر حاليا، بسبب غياب الارادة الداخلية، فان المجتمع الدولي يسعى الى مساعدة اللبنانيين على الصمود بالحد الأدنى المتاح، بانتظار أن يحين موعد الانقاذ.
وفي هذا السياق، يمكن ادراج مبادرة انشاء صناديق خاصة لمساعدة بعض القطاعات. وتعوّل المؤسسات الدولية على عملية مساعدة القطاع الخاص، سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (SME) التي تعتبر الشريان الحيوي للاقتصاد الوطني. وهذا ما يفسّر ولادة صندوق Building Beirut Businesses Back and Better (B5)، وهو بمثابة استكمال للصندوق الائتماني السابق (LFF) الذي تأسس في كانون الأول 2020 بعد إطلاق برنامج الإصلاح والإنعاش والتعافي.
من خلال الاحصاءات المتوفرة يتبين ان اكثر من 85% من المؤسسات في لبنان مدرجة في خانة الـSME وبالتالي، فان الاقتصاد يقوم على هذا النوع من المؤسسات، وهذا ما يفسّر الاهتمام الدولي بها. ومن خلال ارقام نشرتها سابقا مؤسسات احصائية، يتبين ان 90% من العمال والموظفين في لبنان يعملون في هذه المؤسسات.
لكن الـB5 الذي أطلقه البنك الدولي رسميا في مؤتمر دعم لبنان، لا يكفي بطبيعة الحال لانقاذ القطاع برمته. لكن مبلغ الـ25 مليون دولار قد يكون بمثابة جرعة اوكسجين تكفي لابعاد شبح الاقفال عن المؤسسة المستهدفة، أو يساعد في وقف تقليص حجم الاعمال وصرف المزيد من الموظفين كما جرى حتى الان. وبرغم عدم وجود احصاءات رسمية وجدية يمكن الارتكاز عليها لاعطاء ارقام دقيقة عن حجم البطالة المتأتية عن اقفال او انكماش اعمال المؤسسات، الا ان كل التقديرات التي اعلنت حتى الان، سواء من قبل شركات احصاء او من قبل خبراء، او من قبل جمعيات ونقابات معنية، كلها تؤكد ان الرقم مقلق ومرعب، وأن نسبة المؤسسات التي أقفلت أو المهدّدة بالاقفال، تصل في بعض القطاعات بين 40 و50%. وتعتبر مثل هذه النسب بمثابة كارثة حقيقية قلما عرفتها دول أخرى عانت أزمات مالية واقتصادية.
في المقابل، يساند المجتمع الدولي بقيادة فرنسا قطاع التعليم في لبنان. صحيح أن فرنسا متمسكة بالثقافة الفرنكوفونية التي لا تزال طاغية في لبنان، لكن ذلك لا يمنع أن دعمها للقطاع هو بمثابة استثمار للمستقبل في الكادر البشري. هذا الاستثمار يعتبر اقتصاديا من اهم الاستثمارات، لأنه يبقي على قدرات المجتمع اللبناني على الوقوف مجددا، عندما يحين موعد الخروج من الأزمة، وتحقيق الانقاذ من خلال خطة متكاملة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
ويتابع المجتمع الدولي اداء اللبنانيين في الخارج، وكيف يواظبون على ارسال الاموال الى لبنان، والتي تجاوزت الـ6 مليار دولار في العام 2020، وهو رقم ضخم قياسا بحجم الاقتصاد المنكمش. وبالتالي، تعتبر المؤسسات المالية الدولية ان لبنان يمتلك كادرات بشرية مهمة تخوله أن يستند اليها في تنمية اقتصاده في المستقبل، وفي هذا الإطار ايضاً، يندرج الاهتمام الدولي، بالمحافظة على كادرات بشرية متخصصة وماهرة قادرة على دعم الاقتصاد.
كل الجهود الدولية المبذولة تركز على اعطاء اللبناني جرعات اوكسجين للصمود بانتظار الحل الشامل، لكن المعضلة أن المعالجة الجذرية المنتظرة تنتظر بدورها مناخا سياسيا ملائما، لأن الازمة الاقتصادية والمالية في عمقها الاساسي هي أزمة سياسية. وحتى الآن، لم تظهر بوادر لتصاعد الدخان الابيض من مدخنة المطابخ السياسية التي تبدو غارقة في تفاصيل لا علاقة لها بانقاذ الاقتصاد المنهار.
السهم