د. شادي مسعد
لم تطرأ أية تطورات دراماتيكية على المستوى السياسي هذا الاسبوع، باستثناء ملاحظتين أمكن تسجيلهما:
اولا– ان الفارق بين ميقاتي والحريري يتجاوز الاسلوب فقط، ويصل الى المضمون من حيث القدرة على التأقلم وعدم حصر تحركاته في إطار مرسوم سلفا ، وهذا ما تبين من خلال الحلحلة في مسألة توزيع الحقائب السيادية.
ثانيا– قرار ميقاتي بعدم التقوقع ضمن قالب جامد غير قابل للخرق. وهذا ما تبين من خلال قبول التفاوض مع رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل مباشرة او بالمواربة.
هذه الوقائع سمحت بتحقيق تقدم في عملية التفاوض للاتفاق على الحكومة الجديدة.
أكدت اوساط مواكبة لمستجدات الملف الحكومي ان التوزيع الطوائفي والسياسي للحقائب الوزارية انتهى تقريباً، وانّ الايام القليلة المقبلة ستخصص لمشاورات بعيدة من الاضواء للتوافق على اسماء الوزراء. وتوقعت الأوساط أن تولَد الحكومة خلال الأسبوع المقبل «اذا لم تطرأ عراقيل في الأمتار الأخيرة»، مشيرة الى «انّ القرار الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم قَصَم ظهر البلد، ودفع في اتجاه التعجيل في تشكيل الحكومة لمواجهة تداعيات هذا القرار، سواء نُفذ الآن أو لاحقاً».
في المقابل، خطف قرار مصرف لبنان وقف الدعم عن المحروقات الاضواء، بحيث تعددت الروايات والتحليلات في قراءة خلفياته وتوقيته. ورغم ان رياض سلامة سبق وابلغ مجلس الدفاع الاعلى انه لم يعد قادرًا على الاستمرار بالدعم الا ان البيان المقتضب الذي صدر مساء اليوم التالي للاجتماع اوحى وكأنه جاء بشكلٍ مفاجئ.
في كل الاحوال ، شكل القرار صدمة شعبية قاسية انطلاقا من التداعيات المتوقعة على مجمل الوضع المعيشي. وتوقع خبراء اقتصاد وفي حال تم تنفيذ قرار وقف الدعم ان يدخل البلد في مرحلة التضخم المفرط والذي من شانه ان يزيد الضغوطات المعيشية ويرفع نسبة الفقراء بصورة دراماتيكية.
وفي معلومات صحافية ان رئيس الجمهورية كان قاسيا وحازما مع حاكم المركزي وابلغه ان عليه تطبيق قرارات السلطة التنفيذية ولا يستطيع وقف الدعم ساعة يشاء، وان عليه الالتزام بقرار الدعم على سعر ٣٩٠٠ ليرة.
في الموازاة، لم يكن موقف رئيس الحكومة أقل حزمًا واعلن رفضه لقرار سلامة ووصفه بأنه غير قانوني. وبالتالي، تشير التوقعات الى ان حاكم مصرف لبنان سيتعرض لضغوطات سياسية اضافية في الايام المقبلة لاجباره على التراجع.
وفي المعلومات ايضا ان سلامة لا ينوي التراجع سوى من خلال اتخاذ السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية القرار بالانفاق من الاحتياطي الالزامي على مسؤوليتها.
وقد فجّر قرار رفع الدعم عن المحروقات احتجاجات عارمة وفوضى شاملة عمّت بيروت وكل المناطق اللبنانية، وتهافت مواطنون على المحطات لمحاولة التزود بالبنزين قبل ارتفاع سعره، فيما أقفل محتجون عدداً من الطرق الدولية وداخل عدد من المدن والمناطق احتجاجاً على الغلاء الفاحش.
في موازاة هذا الحدث، انعقدت الجلسة التاسعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. وكشفت مصادر انّ اللقاء بين عون وميقاتي كان ايجابياً نسبةً الى حجم التقدم الذي تم التوصّل اليه، بعد تغيير القواعد التي يمكن اللجوء إليها للوصول الى تشكيلة كاملة بالمواصفات المطلوبة والتصنيف المُعتمد للحقائب.
وعلى رغم تكتّم الرئيس المكلف واكتفائه بالإشارة الى انّ اللقاء العاشر سيُعقد مطلع الاسبوع المقبل، فإنّ مصادر قريبة من بعبدا بَرّرت هذه المهلة بالإشارة الى ان هناك اموراً يجب التفاهم حولها، خصوصاً انّ اللقاء أمس أنهى الجزء المتصل بتوزيعة الحقائب غير الاساسية، لا سيما ان الحقائب الاربع السيادية ستبقى كما هي في التشكيلة السابقة لجهة توزيعها المذهبي من دون أي تعديل.
ولفتت المصادر الى انّ التفاهم على بقية الحقائب العادية والخدماتية بات منجزاً، باستثناء حقيبتين او ثلاث، وان الاتفاق حولها تمّ من خارج التفسير السابق الذي تحدثَ عن منطق المداورة، فالتفاهم بين عون وميقاتي تجاوزَ هذه المعادلة، التي لم تعد مطروحة بأي شكل من الأشكال التقليدية التي كانت معتمدة سابقاً.
وفي المعلومات ايضا، انه تم الاتفاق على مهلة الأيام الثلاثة الفاصلة عن اللقاء العاشر، بُغية إنجاز التفاهمات النهائية على الأسماء المقترحة لإسقاطها على الحقائب العادية، قبل العودة الى البحث في إسقاط الأسماء على الحقائب السيادية بعد تذليل العقبات المُشار اليها.
هناك توقعات بأن تولَد الحكومة خلال الأسبوع المقبل «اذا لم تطرأ عراقيل ومفاجآت».
وجاءت تصريحات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لتصب في خانة التفاؤل ذاتها، اذ اعلن أنّه «بات واضحاً أنّ الحكومة اقتربت من التأليف، وأنّ الجو إيجابي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وأن لا عراقيل».
ولكن باسيل اتهم رياض سلامة بتوقيت قراره وقف الدعم على توقيت التقدم في مسار تأليف الحكومة، ملمحا الى ان هناك «من يريد أن يَنسف هذا الجو الايجابي ولا يريد تأليف حكومة».
نكسة نيابية
إلى جانب الملف الحكومي وملف رفع الدعم عن المحروقات، شهدت الساحة السياسية حدثا بارزا تمثل بتعطيل جلسة نيابية كانت مقررة في الاونيسكو للبحث في موضوع طلب رفع الحصانات عن بعض الوزراء السابقين النواب. ولكن امام الضغط في الشارع وفي ظل مقاطعة كتل نيابية وازنة، تم تأجيل هذه الجلسة.
واعتُبر تأجيل الجلسة، بمثابة فوز معنوي لأهالي ضحايا انفجار المرفأ الذين توافدوا الى الشارع وضغطوا لمنع انعقاد الجلسة، وقد أثمرت جهودهم. ومن الواضح، ان الكتل النيابية التي قررت مقاطعة الجلسة، والمجازفة بمواجهة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، انما فعلت ذلك، بالاضافة الى قناعاتها، وفق حسابات انتخابية لا يمكن التنكّر لها.
يبقى السؤال، كيف سيكون المشهد الشعبي والسياسي في الاسبوع المقبل، في ظل الازدواجية بين ما يجري وراء الجدران المغلقة حيث يوافق السياسيون على قرار رفع الدعم، ويرفضونه علنا؟
وهل ستتم ولادة الحكومة فعلا في الاسبوع المقبل، بحيث تتولى مسؤولية ادارة الأزمة بانتظار الحلول الموعودة.
السهم