د. شادي مسعد
رغم فداحة الخسائر في الارواح وفي المعنويات، وفظاعة الحدث الاسود، انحسرت موجة ردود الفعل على انفجار خزان الوقود في التليل العكارية نسبياً خلال الاسبوع، بسبب تسارع التطورات الموازية، ومن ضمنها ارتفاع منسوب القلق من انعكاسات قرار رفع الدعم عن المحروقات، واستمرار طوابير الذل الطويلة على المحطات، والانباء المتناقضة في شأن فشل مفاوضات تأليف الحكومة، وقرب اعتذار الرئيس المكلف، مع تكهنات رافقتها حول المدى الذي قد يبلغه انهيار سعر صرف الليرة ارتباطاً بهذا الموضوع. توازياً، جاء قرار حزب الله بدء استيراد المحروقات من ايران ليزيد منسوب «الاثارة»، ويخلق مادة ساخنة للنقاش الداخلي حول ايجابيات أو مخاطر خطوة من هذا النوع.
لعلّ القرار الذي اتخذته القوى العسكرية والأمنية في البلد، بقيادة الجيش اللبناني، تعكس بوضوح مدى الانحلال الذي وصلت إليه الدولة التي بدأت تفقد هيبتها، وقدرتها على فرض الحد الأدنى من سلطتها، وثقة المواطنين بها، بحيث بدأت تترسّخ مشهدية استقلالية كل مجموعة مناطقية من اجل ابتكار حلول ذاتية لأزمات يفترض انها من مسؤولية الدولة المركزية. وهكذا تحركت القوى الأمنية لمكافحة الاحتكار والتخزين لمادة المحروقات بعدما كثرت الشكاوى من ان فقدان المادة يعود في جانب اساسي منه إلى التخزين والتهريب. وما كشفته الحملات الأمنية أكد المؤكد لجهة وجود تخزين كبير للمحروقات على كل الاراضي اللبنانية، وليس في المناطق الحدودية القريبة من سوريا فحسب، مما أكد نظرية أن التهريب والجشع بهدف الربح غير المشروع يمتد على مساحة الطوائف والاحزاب، وليس حكراً على فئة او طائفة دون أخرى.
في هذا المناخ المتمدّد من الفساد والاحباط، جاء إعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن بدء استيراد المحروقات من ايران، ليرفع منسوب القلق والغضب لدى البعض، بسبب ما تردّد عن احتمال تعريض لبنان لعقوبات اميركية تزيد في عزلته وفي أزمته الاقتصادية، وليس العكس.
وجاءت ردود الفعل المعارضة من قبل خصوم حزب الله التقليديين، وفي مقدمهم تيار المستقبل الذي اعلن رئيسه سعد الحريري في بيان، أن حزب الله يعلم «أنّ سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى. إنّ اعتبار السفن الإيرانية أراضٍ لبنانية يشكّل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرف مع لبنان كما لو أنه محافظة إيرانية. ونحن بما نمثّل على المستوى الوطني والسياسي لن نكون تحت أيّ ظرف غطاء لمشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم».
وسأل الحريري: «أيّ حكومة هذه التي يريدونها أن تفتتح عملها باستقبال السفن الإيرانية والاصطدام مع المجتمع الدولي، في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان الى حكومة تحظى بدعم الاشقاء والاصدقاء».
كذلك صدرت مواقف شاجبة للقرار من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل، بالاضافة الى مواقف سياسية متعددة أعربت عن اعتراضها على القرار. لكن الصامت الاكبر في هذا الموضوع كان الدولة بكل هرميتها، من أعلى الى أسفل.
هذا الملف مرشّح للتفاعل في الايام القليلة المقبلة، خصوصاً ان تحركات السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا، منذ تسرّب المعلومات عن قرب استيراد المحروقات من ايران، ومن قبل ان يعلن نصر الله بدء الاستيراد، كانت توشي بوجود قرار اميركي حازم بالتصدّي لهذا الاتجاه. ويعتبر البعض أن الخطوة التي اعلنت عنها السفيرة لاحقاً، وأبلغتها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تندرج في اطار التصدّي للمشروع الايراني، وضمن سياسة العصا والجزرة. اذ أبلغت شيا عون أنها تلقت قراراً من إدارة بلدها بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائيّة من الأردن عبر سوريا، من خلال تسهيل نقل الغاز المصري إلى شمال لبنان، وتوفير كميات منهذا الغاز إلى الأردن تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. وكشفت كذلك أنه سيتم تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان.
ولفتت السفيرة شيا إلى أنّ الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأنّ المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز.
وأشارت شيا إلى أنّ «لبنان لا يحتاج لنفط إيران فهناك ناقلات كثيرة تنتظر تفريغ الوقود، وخطة الطاقة التي كشفنا عنها أوفر وأنظف ومستدامة».
وهكذا برزت اجواء منازلة بين واشنطن التي تريد قطع الطريق على النفط الايراني الى لبنان، وبين طهران التي ترغب عبرحزب الله في تثبيت نفوذها وقدراتها على مساعدة لبنان في أزماته.
أين الحكومة؟
ضمن هذه التطورات المتسارعة، بقيت الاتصالات والاجتماعات المكوكية لانجاح الاتفاق على تشكيلة حكومية جديدة تدور في مكانها. بل ان الاجواء الايجابية تراجعت في منتصف الاسبوع ووصلت الى مراحل متقدمة من التشاؤم، حيث بدأ الحديث عن احتمال اعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يترسّخ اكثر فأكثر. وتشعبت المعلومات المتوافرة حول اسباب التأزّم والعرقلة، بدءاً بمسألة اسقاط الاسماء على الحقائب، والفيتوات المتبادلة بين الرئيسين على هذا الاسم أو ذاك، مروراً بمسألة الحصص ونوعية الحقائب للاطراف السياسية المشاركة في الحكومة، وصولاً الى مسألة الثلث المعطّل، وهي المسألة التي ينفيها رئيس الجمهورية، ويغمز من قناتها خصوم التيار الوطني الحر مؤكدين ان عون وفريقه يسعيان بشكل مستتر الى الحصول على الثلث الضامن.
هذه الاجواء أرخت بظلالها على سوق الصرف، حيث بدأت الليرة تنهار مجددا بعدما كانت مستقرة نسبيا مع ميل نحو الانخفاض البطيء. وساد تخوّف من فلتان سريع لانهيار العملة الوطنية في حال فشلت مساعي تشكيل الحكومة وأقدم ميقاتي على الاعتذار. هذا المناخ ظلّ سائدا الى أن أعاد الرئيسان تحريك المساعي لانقاذ الوضع. وصدر بيان عن رئاسة الجمهورية استتبعه بيان صادر عن الرئيس المكلف، ساهما في ضخ بعض الايجابية في اجواء مفاوضات التأليف.
ومن خلال المؤشرات القائمة، ومناخات الضغط في كل الاتجاهات، يبدو الاسبوع الطالع حاسماً في تقرير مصير الحكومة، على اعتبار ان ميقاتي صار محشورا في الوقت، وهو سبق وأعلن ان وقته ليس مفتوحاً، وانه لا يرغب في تكرار تجرية سلفه سعد الحريري، وينوي الانسحاب في وقت أسرع، لئلا يلتهم الوقت الضائع من شعبيته قبيل موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
السهم