د. شادي مسعد
لم ينتهِ الاسبوع كما تمناه اللبنانيون في الملف الحكومي. وبعدما باتت هناك قناعة بأن كل المعالجات المحتملة للأزمة الخانقة، ممرها الالزامي تشكيل حكومة، ازداد منسوب المتابعة الشعبية لهذا الموضوع، وبات المواطن يترقب بقليل من الصبر خروج الدخان الابيض ايذانا بولادة الحكومة.
ومع ارتفاع الضغط على المستوى المعيشي، وتفاقم أزمة المحروقات، واقتراب موعد تحرير الاسعار من أي دعم، بما يعني المزيد من التراجع في القدرة الشرائية، وانتشار اضافي للفقر الذي باتت نسبه مرتفعة جدا (حوالي 80% حسب أحدث التقديرات للبنك الدولي)، اصبح الموضوع الحكومي مسألة حياة أو موت بالنسبة الى اللبناني الموعود بانهيار شامل واضافي غير محسوب، في حال فشل المشروع الحكومي، وانتهى بانضمام نجيب ميقاتي الى نادي الرؤساء المعتذرين. فهل ان الترجيحات القائمة حتى الساعة، تميل الى التفاؤل او التشاؤم في امكانية النجاح في تشكيل حكومة؟
احد الوزراء في حكومة تصريف الاعمال يقول ان النسبة هي 55% فشل مقابل 45% نجاح. ومن خلال هذا التصنيف يبدو الوضع الحكومي وكأنه بورصة يمكن ان تتغير ارقامها ونسبها في كل لحظة. وهذا ما يجري على ارض الواقع، اذ ينام اللبناني على تشاؤم ليستفيق على تفاؤل، والعكس صحيح. وبصرف النظر اذا ما كانت هناك عوامل خارجية تحول دون النجاح، لا يمكن انكار اهمية العوامل الداخلية المؤثرة، والتي تنعكس في لعبة الحصص والارقام.
وفي المعلومات، ان ميقاتي الذي كان يستعد لتقديم تشكيلة كاملة على اساس 8+8+8، لا ثلث معطّل فيها لأحد، وانه كان ينوي الاعتذار في حال رفض رئيس الجمهورية التشكيلة، عاد وتريث، سواء بسبب دخول فرنسي على الخط لتذليل العقبات، أو بسبب استئناف حركة الموفدين بين عون وميقاتي، في محاولة للتفاهم لتحاشي الوصول الى نقطة اللاعودة.
لكن المشكلة ان لدى رئيس الجمهورية حساباته التي يرفض تجاوزها، ولدى ميقاتي قيود وحدود لا يستطيع القفز فوقها، لأن الشارع السني سيكون له بالمرصاد. ولا يمكن اهمال موقف سعد الحريري الذي ينتظر ميقاتي على الكوع، واذا قدّم ما ليس متفقاً عليه في نادي رؤساء الحكومة السابقين، هو جاهز للانقضاض عليه. وفي الاجواء، ان «الحريري القديم» لم يعد موجودا، وهناك حاليا رجل يريد الانتقام من العهد ومن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وبالتالي، فان المواجهة لن تكون سياسية فحسب، بل هي شخصية، وتتسم بالحدة. ومن شأن هذا المناخ تعقيد مفاوضات التشكيل اكثر.
الى ذلك، يأخذ ميقاتي على عون ان مستوى الموفدين الذين يكلفهم مهمة التواصل معه لتذليل عقبات التشكيل، ليسوا على المستوى المطلوب، ويلعبون احيانا دورا سلبيا بسبب الحساسية التي يشعر بها الرئيس المكلف حيال التفاوض معهم.
في كل الاحوال، كل الحسابات تجري في هذا الملف على اساس المستقبل السياسي لكل طرف، انطلاقا من مبدأ ان الانتخابات النيابية قد تجري في موعدها، وبالتالي، ستقرر نتائجها حجم كل طرف على الساحة. هذا الواقع يزيد في التعقيدات، ويمنع السلاسة والتساهل في الموافقة على اي اسم، سواء من قبل عون أو الحريري قبل جوجلته ودراسة تاريخه ومواقفه في محاولة لمعرفة اتجاهاته، واذا ما كانت تسميته تخفي كميناً مموهاً ام لا.
في اللقاء الثالث عشر والأخير هذا الاسبوع بين عون وميقاتي، خرج الاخير من القصر بعبارة «انشالله خير». وتبين ان المفاوضات الشاقة لا تزال مفتوحة، وان الاسبوع الطالع سيشهد استكمال التفاوض. لكن الملفت ان مواصلة التفاوض لا يتم تحت ضغط الأزمة الاقتصادية وتداعياتها فحسب، بل دخل على الخط ملف باخرة المازوت الايرانية، والتي اصبحت ورقة ضغط اضافية في اللعبة الحكومية.
ومن البديهي، ان ميقاتي، وهو رجل اعمال مرموق، ولديه مصالح حول العالم، لا يستطيع ان يجازف في ملف من هذا النوع. وبالتالي، من الطبيعي ان الرجل دخل في مفاوضات وتشاور مع الجانب الأميركي ليعرف الخيط الاسود من الابيض. أين يستطيع ان يناور، وأين ينبغي ان يأخذ موقفا حاسما، لأنه غير مستعد للمجازفة بعلاقاته مع الاميركيين، واحتمال تعرضه لعقوبات. وهو بالتالي، يريد ان يتفق منذ اليوم مع الاميركيين ومع رئيس الجمهورية، ومع الاطراف التي تتشكل منها الحكومة على الموقف الرسمي الذي سيتم اتخاذه حيال موضوع جلب حزب الله المحروقات من ايران.
في المقابل، تؤكد المعلومات المتقاطعة من اكثر من مصدر، ان النقاط الساخنة، والتي لا تزال تتسبّب بالعرقلة في الملف الحكومي، تتعلق بالحقائب المتصلة بالعملية الانتخابية. وفي حين كانت وزارة الداخلية هي أم الوزارات على اعتبار انها الجهة التي ستشرف على الانتخابات، انضمت وزارة الشؤون الاجتماعية الى الحلبة، وهي الوزارة المهملة التي لم تكن في السابق تجذب اي فريق سياسي. ومن المعروف ان سبب ايلاء هذه الوزارة أهمية قصوى، انها ستتولى الاشراف على اصدار وتوزيع البطاقة التمويلية، والتي يُنظر اليها على أنها بطاقة انتخابية بامتياز، سوف تساعد الطرف الذي يمسك بقرارها في الانتخابات المقبلة. واذا كان معروفا في السابق ان مبدأ شراء الاصوات قائم ويشكّل احيانا عنصرا حاسما في الفشل او الفوز، فان هذا المبدأ في زمن الانهيار والفقر أصبح اكثر تأثيرا في اللعبة، ومن يستطيع ان يمون ليضع اسما على لائحة من سيحصل على هذه البطاقة، سيمون على صاحب الاسم بصوته في صندوق الاقتراع. ومن هنا، تشهد هذه الوزارة تجاذبات.
وهناك مشاكل وقطب مخفية كثيرة في عملية التأليف، منها ما يتعلق بحساسية وزارتي العدل والاشغال والنقل. الاولى بسبب دورها المهم في الجانب القضائي، في ظل تزايد الضغوطات في التحقيقات في انفجار المرفأ، مع صدور مذكرة إحضار في حق رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب. والثانية لكونها سلطة وصاية على المداخل الجوية والبحرية (المطار والمرافئ)، في زمن التحديات والقرارات المحتملة بادخال محروقات عبر هذه المعابر. بالاضافة طبعا الى ملف التفجير في المرفأ…
ما صرّح به الرئيس المكلف عقب كلام مفتي الجمهورية، الذي ساهم في رفع منسوب التوتر على مستوى المواجهة مع بعبدا، زاد الغموض غموضا، والمرحلة مرحلة انتظار.
كل هذه المشهدية حاضرة في الجهود التي تبذل من اجل إنجاح عملية التأليف. وهي تلعب دورا ايجابياً دافعاً لتسريع التشكيل أحياناً، ودوراً معطلاً في اكثر الاحيان.
السهم