د. شادي مسعد
على وقع معلومات تحدثت عن دخول باخرة النفط الايرانية المياه الاقليمية السورية، تمهيدا لافراغها ونقل المحروقات الى لبنان عن طريق البر، شهدت عملية تأليف الحكومة تجاذبات ساخنة، وبدت كالبورصة في الاسواق المضطربة، تتحرّك صعودا وهبوطا بسرعة قياسية، ومن دون مبررات منطقية مُقنعة.
يوم الخميس في 2 ايلول الجاري استفاق اللبنانيون على مناخات ايجابية أوحت بأن الحكومة أُنجزت، وان الرئيسين تجاوزا كل المعوقات، وأبرما اتفاقا متكاملا سيؤدي الى ولادة الحكومة في غضون 24 ساعة.
وتفاعلت بورصة الدولار مع بورصة التأليف، حيث تراجع سعر العملة الأميركية في سوق الصرف، وكاد التراجع يتجاوز قعر الـ18 الف ليرة نحو الـ17 الفا. لكن مسيرة الهبوط توقفت فجأة، ليحل مكانها ارتفاع سريع أعاد سعر صرف الليرة الى مستوياتها حول الـ19 الف ليرة للدولار.
هذا الارتفاع جاء ليواكب انهيار هرم التفاؤل الحكومي فجأة، وتغيّر المشهد الوئامي بين الرئيسين الى مشهد حامي الوطيس، جرى خلاله تبادل البيانات الانتقادية والاتهامية، مرةً بالمباشر، ومرات بالمواربة. ومع ارتفاع وطيس المواجهة، ساد مناخ من التشاؤم لدى الجميع، وبدأ الحديث عن فشل مشروع تشكيل حكومة، وعن قرب اعتذار نجيب ميقاتي على غرار من سبقه، (مصطفى أديب، ومن ثم سعد الحريري).
لكن المساعي الليلية التي بُذلت عادت وقلبت المشهد التصعيدي وحولته صباح الجمعة 3 ايلول الى مسار تفاؤلي إلى حدٍ ما.
في هذه الاثناء، لاحت في الافق المعالم المكتملة للحكومة العتيدة. وكانت المفاجأة أن الأمور قطعت شوطا متقدما جدا، وأن الاتفاق بين عون وميقاتي يكاد يكون مكتملا باستثناء حقيبة الاقتصاد، التي تردد ان رئيس الجمهورية والرئيس المكلف يطالبان بأن تكون من حصتهما.
وبصرف النظر عن أهمية هذه الوزارة، الا أنها ليست بحساسية وزارات أخرى جرى التفاهم حولها، بما يدعو الى طرح تساؤلات، اذا ما كانت القضية مرتبطة بحقيبة واسم، ام ان مسألة الثلث المعطل المستتر لا تزال هي المشكلة الحقيقية؟
من جهته، كرر رئيس الجمهورية اكثر من مرة انه لا يسعى الى الثلث المعطل كما يتهمه خصومه، لكن اجواء ميقاتي، خصوصا في فترات التوتر والمصادمات مع بعبدا، كانت تروّج وتؤكد ان الثلث المعطل المستتر هو لب المشكلة، وهو ما يعيق التفاهم بين الرئيسين على الحكومة.
الى جانب العثرات في محاولة تشكيل الحكومة، برزت مسألة الاسماء المطروحة للتوزير. اذ يتبين من خلال التمحيص في الاسماء التي وردت في التشكيلة شبه النهائية، ان اختيار الاشخاص تمّ وفق معيارين: الكفاءة والاختصاص أولاً، وعدم حيازة بطاقة حزبية ثانياً. واذا كان المعيار الاول مستوفي للشروط المطلوبة للنجاح، فان المعيار الثاني يبدو بلا أية أهمية فعلية، بل بات يشكل اهانة لعقول الناس. إذ ماذا يعني ان يكون الوزير غير حزبي، ولا يحمل بطاقة، لكنه تابع لحزب أو يتلقى الاوامر من رئيس حزب؟ هذا السؤال كان مطروحا في الاوساط السياسية والشعبية، خصوصاً أن الحديث عن الحصص، وكيفية توزيع الحقائب، والثلث المعطّل، كلها عبارات وحقائق تنفي عن الحكومة العتيدة صفة الاستقلالية، وتلبسها رداء التبعية، وهي الآفة نفسها التي عانت منها حكومات سابقة.
ومن هنا، تضاءل بعض الشيء حجم الآمال المعلقة على نجاح أو فشل مفاوضات التأليف، ولو أن هناك اجماعا على ان استيلاد حكومة، ولو بالطريقة القيصرية، يبقى افضل من الفراغ القائم، والذي بات يوحي بأن البلد يمضي بسرعة قياسية الى المجهول.
وبالعودة الى التشكيلة شبه المكتملة، ذكرت المعلومات انها رست على الشكل التالي:
السنّة : رئيس مجلس الوزراء: نجيب ميقاتي، وزير الداخلية: بسام المولوي، وزير الصحة: فراس الأبيض، وزير التنمية الإدارية: محمد بدره، وزير الإقتصاد: ناصر ياسين.
الشيعة : وزير المالية: يوسف خليل، وزير الاشغال: علي حمية، وزير الزراعة: حسن اللقيس، وهو مرشح غير محسوم وتمّ طرحه من قبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومن المرجّح استبداله. وزير الثقافة: محمد مرتضى، وزير العمل: مصطفى بيرم.
الدروز : وزير التربية: عباس حلبي، وزير المهجرين: عصام شرف الدين.
الموارنة : وزير خارجية: عبدالله أبو حبيب، وزير الاتصالات : جوني قرم، وزير الشؤون الاجتماعية: رفول البستاني، وزير الإعلام: جورج قرداحي. وزير العدل: هنري خوري.
الأرثوذكس: نائب رئيس حكومة: سعاده الشامي وزير الطاقة: وليد فياض، وزير الدفاع: العميد موريس سليم.
الكاثوليك : وزير السياحة: لم يُحسم بعد وهو من حصة رئيس الجمهورية، وزير البيئة: لم يُحسم بعد وهو من حصة رئيس الجمهورية والمرجّح إسم منال مسلم.
الأرمن/أقليات: وزير الشباب والرياضة: أنطوان سرياني، وزير الصناعة: جورج دباكيان.
نفط…وعقوبات
في موازاة ملف تشكيل الحكومة، برز موضوع النفط الايراني كعنصر جديد ضاغط في الأزمة. ومع اعلان طهران ان الباخرة المحمّلة بالمحروقات لمصلحة حزب الله قد دخلت إلى سوريا تمهيداً لافراغها ونقل محتواها بالصهاريج عبر البر إلى لبنان، أُعلن من دمشق عن توجّه وفد لبناني رسمي لزيارة سوريا بهدف التفاوض مع المسؤولين السوريين على استيراد الغاز المصري عبر الاراضي السورية.
جدير بالذكر ان هذه الزيارة الاولى من نوعها، تأتي في اعقاب «الاذن» الذي أعطته واشنطن للحكومة اللبنانية لاستجرار الغاز المصري عبر سوريا، وأعفتها بذلك من خطر العقوبات وفق مندرجات قانون قيصر.
وهكذا تبدو الصورة وكأنها سياسة العصا والجزرة. من جهة، يزور وفد من الكونغرس الاميركي بيروت، ويدلي اعضاؤه بتصريحات نارية وتحذيرية لجهة استيراد النفط الايراني، مع التلميح بسيف العقوبات وفق القانون الاميركي الذي يفرض حظرا على التعامل مع القطاع النفطي الايراني. ومن جهة ثانية، تعطي واشنطن السلطة اللبنانية الاذن للتوجه نحو الغاز المصري، ولو عن طريق سوريا المعاقبة بدورها بقانون قيصر. وهكذا تبدو المعادلة وكأنها تنص على التالي: نعفيكم من عقوبات قانون قيصر، شرط ان تعفونا من تجربة استيراد النفط الايراني المحظور. وبين خياري سوريا وايران، اختارت واشنطن سوريا كأهون الشرين.
وبانتظار ما ستسفر عنه زيارة الوفد اللبناني الى دمشق، مع ما يستتبع ذلك من رمزية ما جرى، لتأكيد استعادة العلاقات السياسية بين بيروت ودمشق، تبقى العين على النفط الايراني الذي اصبح مادة سياسية دسمة ليس واضحاً بعد، الاتجاه الذي ستسلكه في الايام المقبلة.
السهم