قطبة مخفية في رفع سعر سحب الدولارات

د. شادي مسعد

يولي المودعون في هذه الفترة مسألة تغيير سعر سحب الدولار من المصارف أهمية قصوى، انطلاقا من اقتناعهم بأن  الهيركات  الاختياري سوف يتدنى،  ليتمكنوا من سحب دولاراتهم على سعر أعلى من 3900 ليرة للدولار. فهل هذا الاقتراح هو في مصلحة  المودعين الصغار فعلا؟ ولماذا وافقت المصارف على الاقتراح من دون اي تحفظات،  مع انها ظاهريا ستكون خاسرة، خصوصا اذا رُفع سعر السحب الى 10 الاف ليرة، كما تقترح لجنة المال والموازنة النيابية؟

لا شك في ان موقف مصرف لبنان اولا، ومن ثم المصارف التجاريةلاحقا، بالموافقةعلى مبدأ رفع سعر سحب الودائع الدولارية من المصارف فاجأ الكثيرين. وينبغي ان يُطرح سؤال مشروع ما هي اهداف المركي والمصارف من وراء الموافقة على مثل هذا الاقتراح؟

بلانسبة الى مصرف لبنان،  ينبغي اننلاحظ ان حاكم المركززي  رياض سلامة، هو من بادر الى الاتصال بأحد النواب الاعضاء في لجنة المال والموازنة، واشاد امامه بالاقتراح الذي جرى تقديمه للمرة الاولى في مشروع قانون الكابيتال كونترول. ولاحقا،عندما أعيد فتح  هذا الملف مرة جديدة، سارع سلامة الى تسريب اجواء ايجابية مفادها انمصرف لبنان ليس ضد الاقتراح، وان المجلس المركزي يدرسه  لاتخاذ القرار المناسب. والمفارقة هنا، ان بعض الروايات تفيد بأن سلامة قد يكون حرّض بعض النواب على اثارة الموضوع بما  ان  قانون الكابيتال كونترول قد تأخر صدوره. واذا كانهذا الكلام دقيقا، ماذا يريد سلامة من رفع سعر سحب الدولارات؟

في التقديرات المنطقية، ان حاكم مصرف  لبنان، درس بعناية وضع  المودعين وتقسيمهم شرائح وفق حجم الودائع، وحصل من  المصارف على داتا مفصّلة حول  هذا الموضوع. وبنتيجة تحليل هذه المعطيات، أصدر التعميم 158 الذي يسمح للمودعين بسحب ودائعهم بالتقسيط لمدة 5 سنوات. وينصّ التعميم على منح المودع 400  دولار شهريا بالاضافة الى ما يعادل هذا المبلغ بالليرة، على سعر 12 الف ليرة للدولار.  وقد تبين بعد دراسة التعميم، انه  يهدف بصورة اساسية الى إخراج حوالي 800 الف مودع من القطاع المصرفي في غضون السنة الاولى من بدء تنفيذ هذا التعميم. واذا كان الهدف المعلن من التعميم اعادة اموال صغار المودعين، فان الهدف الآخر المُضمر هو التخلّص من مشكلة هذا العدد الكبير من المودعين، والذين يملكون ما دون  العشرة آلاف دولار.

هذا الهدف قد يكون الدافع الخفي وراء حماسة المركزي لتنفيذ اقتراح لجنة المال والموازنة. اذ تبين لمصرف  لبنان، ان قسما من المودعين لم يوقعوا اتفاق سحب الاموال وفق مندرجات التعميم 158، بعدما انتشرت اخبار تنصح بعدم التوقيع،  بسبب ما يتضمنه الاتفاق من بنود قد تضر بمصالح المودع في  المستقبل. وهكذا رأى مصرف لبنان باقتراح رفع سعر السحب فرصة ذهبية لتنفيذ خطة الانتهاء من الودائع الصغيرة في المصارف. وجدير بالذكر ان التعميم 151 الذي قد يجري تعديله، لا يتطلب من  المودع توقيع ايةاوراق، وبالتالي، ووفق حسابات المركزي، كل مودع صغير لم  يوقع الاتفاق لسحب امواله وفق مندرجات التعميم 158، سوف يعمد الى سحب تلك الاموال وفق مندرجات التعميم 151 بطبعته الجديدة. وفي الحالتين يتحقق هدف التخلّص من “هم” المودعين الصغار في خلال سنة واحدة. 

هذا بالنسبة الى مصرف لبنان. لكن ماذا عن  المصارف، ولماذا وافقت على الاقتراح؟

لا بد من الاشارة الى ان المصارف، ورغم حماستها هي الاخرى للانتهاء من ارصدة الحسابات الصغيرة ما دون  العشرة الاف دولار، الا انها لمتكن  مرتاحة لاصرار المركزي على الزامها بدفع حوالي مليار دولار فريش للمودعين.بالاضافة الى مليار آخر يدفعه المركزي، ومن المرجح ان يخصمه  من توظيفات المصارف الالزامية لديه، بما يعني عمليا ان المليارين ستدُفع من اموال البنوك.

وبما انه من المسموح للمودع ان يتراجع عن الخضوع للتعميم 158، حتى نهاية ايلول، فان المصارف تأمل ان يعمد عدد لا بأس به من المودعين، وفي حال رفع سعر السحب بنسبة جيدة، الى الانسحاب من التعميم 158 للافادة من التعميم 151 بعد تعديله. وبهذه الطريقة، تخفف المصارف حجم الاموال التي ستدفعها بالدولار الطازج،  في حين انها تدرك ان لا مشكلة في الدفع بواسطة الليرة.

لكن، واذا كان المركزي والمصارف التجارية يملكون مصلحة في رفع سعر السحب من الودائع الدولارية، فهذا لا يعني ان لا مصلحة للمودع بذلك. بل ان المودع الصغير، او الموظف الذي يتقاضى راتبه باللولار، لديه مصلحة هو الاخر برفع سعر السحب. وبالتالي، يمكن القول ان هناك تقاطع مصالح بين كل  الاطراف المعنية في هذا الموضع، بمن فيهم النواب الذين سيسجلون الانجاز باسمهم قبيل الانتخابات النيابية المقبلة. لذلك،من المرجح ان يتم رفع سحب الدولارات من المصارف، وفق مفهوم win-win لأن الجميع سيكونون رابحين.

السهم