د. شادي مسعد
رغم الاجواء الايجابية التي كانت سائدة ليل الخميس/الجمعة، والتي جزمت بأن الاتفاق النهائي على تشكيل الحكومة قد تمّ فعلاً، وان اعلانها سيكون يوم الجمعة، بعد زيارة يقوم بها الرئيس المكلف الى قصر بعبدا، لم يشعر اللبنانيون بالطمأنينة، وظل الاعتقاد السائد ان ما يتمّ تسريبه من اخبار سارة، لا يعدو كونه مجرد بالونات اختبار سبق وتعرّض لها المواطن مرات عدة خلال مفاوضات التشكيل. وحتى عندما أُعلن عن زيارة ميقاتي ظهر الجمعة القصر الجمهوري، بقي منسوب القلق والشكوك قائما، الى حين اعلان ولادة الحكومة وتوقيع مراسيمها فعلياً من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
هذه الولادة القيصرية، والتي عرفت الكثير من محطات الهبوط والارتقاء، الى حد تشبيهها بالبورصة، انعكست ايجابيا على المزاج الشعبي العام، انطلاقا من انها جاءت في توقيت دقيق، حيث كان الشعور السائد ان الانفجار الاجتماعي الذي قد يؤدّي إلى الفوضى على قاب قوسين أو أدنى.
ولكن الاسئلة بدأت ترتسم منذ الان حول امكانات هذه الحكومة، وما هي الانجازات القادرة على تحقيقها في فترة ثمانية أشهر تقريباً تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية، التي وعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باجرائها في موعدها الدستوري المحدّد في ايار 2021.
في القراءات الاولية التي أعقبت ولادة الحكومة، كانت هناك معلومات كثيرة حول نقطة التحوّل التي ساهمت في قلب المناخات السلبية التي سيطرت طوال مطلع الاسبوع، ثم انقلبت رأسا على عقب بين ليلة وضحاها، واتخذت منحى التفاهم وصولاً الى التشكيل.
واحدة من الروايات التي تردّدت، تفيد بأن امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله اجرى اتصالا هاتفيا مطولا مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، انتهى إلى اقناع الأخير بتقديم تسهيلات لضمان ولادة الحكومة، من ضمنها الموافقة على منح الثقة الى حكومة ميقاتي. وكان باسيل يتمسّك بعدم اعطاء موقف واضح حيال هذا الموضوع، الذي كان ميقاتي يصرّ عليه ويعتبره شرطاً غير قابل للمساومة في الموضوع الحكومي.
وفي الرواية نفسها، ان تدخّل نصر الله جاء كنتيجة حتمية للتوافق الذي تمّ في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الفرنسي والايراني قبل ايام، واتفقا خلاله على العمل لضمان تشكيل حكومة في لبنان.
وخارج سياق مسألة دخول حزب الله على الخط لتسهيل الولادة الحكومية، صار واضحاً ان مسألة الثلث المعطّل سقطت مبدئياً، وبالتالي، لا يوجد فريق سياسي واحد يمتلك القدرة على التعطيل، اذ ان الحكومة بنيت على قاعدة 3 تمانات (8+8+8)، وهي بذلك جاءت متوازنة لجهة عدم قدرة اي فريق على التحكّم بقراراتها. لكن ما يراه البعض ميزة، قد يتحول إلى أزمة ستواجهها الحكومة في اتخاذ القرارات المصيرية.
ومن الاستحقاقات الداهمة التي ستشكّل تحدياً اساسياً للحكومة، الخطة الانقاذية التي ينبغي الاتفاق عليها للتفاوض لاحقاً بموجبها مع صندوق النقد الدولي. وفي المعلومات التي توفرت في خلال عملية التشكيل ان تمسّك رئيس الحكومة بوزارة الاقتصاد نابع من حساباته حيال استحقاق خطة التعافي، ودور هذه الوزارة كشريك في رسم معالم هذه الخطة. وهنا تُطرح اسئلة كثيرة، من ضمنها مدى قدرة الافرقاء الذين تتشكّل منهم الحكومة على التوافق على خطة موحدة، ما دام كل فريق يمتلك رؤية وحسابات تختلف عن الفريق الآخر.
وفي التفاصيل، ان الخلاف الاساسي الذي قد ينشأ سيتمحور مجددا حول دور الدولة في تحمل الخسائر ضمن الخطة المرجوة. اذ من المعلوم ان خطة التعافي التي وضعتها الحكومة السابقة، أعفت الدولة من مسؤولية تحمّل الخسائر. وبالتالي، سيكون هذا البند المعضلة الاولى التي ستواجه الحكومة. بالاضافة الى الفلسفات المتناقضة، حيث هناك أطراف تصرّ على ابقاء الخدمات في يد القطاع العام، في حين تدعم أطراف اخرى فكرة الخصخصة والاعتماد اكثر على دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات.
لكن المسألة الاهم التي ستواجهها الحكومة تتمثل في استحقاق الانتخابات النيابية. وهناك مخاوف كثيرة حول هذا الموضوع، من ضمنها وجود شكوك في وجود اطراف سياسية غير راغبة في حصول الانتخابات، ولو انها في العلن تؤكد انضباطها تحت سقف الدستور، واستعدادها لدعم اجراء الانتخابات في مواعيدها.
وفي هذا السياق، ذكرت معلومات ان الراغبين في عرقلة حصول الانتخابات سيطرحون في الوقت المناسب فكرة مناقشة قانون انتخابي جديد تجري على أساسه الانتخابات. وسيكون هذا الطرح بمثابة الوسيلة الفضلى لهؤلاء في محاولتهم نسف موعد الانتخابات، وتأجيله ولو لوقت قصير بذريعة امكانية الوصول الى تفاهم على قانون جديد، والرهان على أن التأجيل سيؤدّي عملياً الى تأجيل الانتخابات، الى أمد غير محدّد.
الى كل هذه التحديات، تبرز قضية محورية ألمح اليها ميقاتي في اول تصريح له من قصر بعبدا بعد اعلان ولادة الحكومة، تتعلق بمسألة تحسين علاقات لبنان مع العالم العربي. والمقصود هنا، العلاقات اللبنانية-الخليجية، سيما منها العلاقة مع السعودية التي تعتبر الممر الالزامي الى دول الخليج الأخرى.
وفي هذا السياق، سيواجه ميقاتي تحديات معقدة، خصوصاً ان ولادة الحكومة تزامنت مع مسألة جلب النفط من ايران من قبل حزب الله. وبالتالي، تدور التساؤلات حول قدرة ميقاتي على تدوير الزوايا في هذا المجال، ما دامت العلاقات السعودية-الايرانية تشهد شد حبال. وسيكون من الصعب الاعتقاد ان الحكومة الميقاتية قادرة على تسجيل خرق في جدار العلاقات مع السعودية، الا اذا صودف ان تحسّنت العلاقات السعودية الايرانية وشهدت نوعا من التطبيع. وهذا الامر وارد نظرياَ، لأن اللقاءات بين الدولتين تسجل تقدماَ، وفق المعلومات المتداولة. وقد يبتسم الحظ لميقاتي، ويكون قد وصل الى السراي في الوقت المناسب لقطف هذا الانجاز.
في النتيجة، ستواجه الحكومة الميقاتية كماً هائلاً من التحديات، لكن ولادتها شكّلت مفاجأة سارة للبنانيين، بصرف النظر عمّا ستنجزه، ما دامت قد أعطت الانطباع بأن الامل قد عاد، وان استكمال الانهيار السريع ليس قدراً لا مفر منه.
السهم