الجولة الأولى للحكومة: تعادُل 3/3

د. شادي مسعد

بعد مرور بضعة أيام على تشكيل الحكومة الميقاتية، أمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات، الايجابية والسلبية التي يمكن اعتبارها بمثابة مؤشرات للسلوك الذي ستعتمده هذه الحكومة في المرحلة المقبلة، كما يمكن الاستناد إلى هذه المؤشرات لتقدير ما تستطيع، وما لا تستطيع هذه الحكومة انجازه في الاشهر الثمانية المقبلة، وهو العمر الافتراضي لها.

في الملاحظات الايجابية، برزت الامور التالية:

اولا- السرعة في انجاز البيان الوزاري في فترة قياسية، وقد جاء مختصراً الى حد ما.
ثانيا- بدء اجتماعات العمل بين رئيس الحكومة والوزراء منذ اليوم الاول للتشكيل، ومن دون انتظار نيل الثقة المتوقعة الاثنين المقبل.
ثالثا- مواكبة الانفراج في سعر صرف الليرة، من خلال الاعلان السريع عن خفض الاسعار، الامر الذي ترك انطباعاً مريحاً لدى المواطنين المتعطشين الى أي انجاز معيشي يساعد على تخفيف معاناتهم.

مقابل هذه المؤشرات الايجابية برزت اشكاليات سلبية لا تطمئن كثيراً لجهة ما ينتظر البلد في الايام المقبلة، من أهمها:

اولا- عجز الحكومة عن اتخاذ مواقف واضحة حيال قضايا حساسة. وبالتالي، اعتماد اللون الرمادي بدلاً من الأبيض أو الاسود. هذا الاسلوب برز في ملفات عدة منها على سبيل المثال ملف انفجار المرفأ، والتداعيات التي ترافقه. اذ تم اعتماد نص غامض في البيان الوزاري، حول وجوب التعاون بين الحكومة ومجلس النواب بكل ما يقتضيه الوصول إلى الحقيقة في قضية المرفأ. ومثل هذا النص يعني أن الحكومة عاجزة عن اتخاذ موقف، لأن مكوناتها غير متفقة على رأي واحد. لكن هذه القضية معقدة، خصوصا أن هناك مذكرة إحضار في حق رئيس الحكومة السابق حسان دياب، وهذا موضوع حساس بالنسبة الى ميقاتي. وما زاد في التعقيدات، التطور الأخير المتمثل بتحويل المحقق العدلي طارق البيطار مذكرة احضار دياب، من قوى الامن إلى جهاز أمن الدولة، لتعذّر قيام الجهة الاولى المناطة بحمايته بالأمر. وهذا يعني عملياً، نقل المذكرة من جهة أمنية محسوبة على رئاسة الحكومة، الى جهة أمنية محسوبة على رئيس الجمهورية.
ثانيا- تأكد أن خطة الانقاذ الاقتصادي، والتي يُفترض أن تكون أولوية الاولويات بالنسبة إلى الحكومة، لا تحظى باجماع من حيث العناوين العريضة. وهذا يعني أن التوافق على الخطة لن يكون سهلاً، بدليل أن الحكومة اضطرت الى اعتماد اسلوب المواربة والغموض والتسويات في صياغة تعابير تتعلق بتحمّل الخسائر. وقد أضيفت على البيان عبارة «حيث يلزم» في تناول ملف إصلاح القطاع المصرفي وإعادة الهيكلة.
ثالثا- لن تكون الحكومة قادرة على اتخاذ قرارات سلسة في الملفات الحيوية التي يفترض ان تحظى بالاولوية. مثالا على ذلك الملف الكهربائي، الذي يتوقع الناس ان تتم معالجته بلا اي ابطاء، تعرض بدوره لعمليات تجاذب، واضطرت الحكومة الى عدم تسمية المعامل التي تنوي تشييدها، لتحاشي مشكلة بين ممثلي التيار الوطني الحر وحركة «امل» داخل مجلس الوزراء. كذلك تمّ التغاضي عن مبدأ الوضوح في قضية إشراك القطاع الخاص في ملف الكهرباء. ولوحظ ان الحكومة تعرّضت لحملة انتقادات اعلامية من قبل وسائل اعلام تمثل رأياً راجحاً في البلد، بسبب ما اعتبرته هذه الوسائل انحياز الحكومة نحو القطاع الخاص، بدلاً من إصلاح القطاع العام.

الملاحظ في الموضوع الحكومي، ان القضايا التي كانت تشكل المعوقات الاساسية، تم تجاوزها بسهولة مطلقة، من خلال استنساخ الصياغات السابقة للبيانات الوزارية، ومن أهمها ما يتعلق بالمقاومة والسلاح وتحرير الأرض.

من خلال هذه الوقائع، لا يمكن التعويل على انجازات خارقة تستطيع الحكومة الميقاتية تحقيقها، خصوصا ان البلد مقبل على انتخابات نيابية تبدو حامية ومصيرية، بدليل الاهتمام الخارجي الفائق بها وبالنتائج التي قد تحملها.

وفي هذا الاطار، سيكون ميقاتي في وضعٍ حرج، بين حماية حكومته من التفجير من الداخل، وبين الظهور في الشارع السني بمظهر الرئيس السني القوي القادر على حماية حقوق الطائفة، بعدما بات هذا الشارع يشعر بأنه مُستضعف. وبالتالي، لن يكون سهلاً الافادة من السراي لكسب الانتخابات، لأن مزايا الحكم توازي مخاطره في هذا المجال، وأي خطوة ناقصة قد يدفع ثمنها ميقاتي في الانتخابات، التي سيخوضها هذه المرة بروحية الراغب في دعم موقفه الشعبي، على أمل ان تكون محطة لفرض زعامته، والعودة إلى السراي بعد الانتخابات.

ومن هنا، ستكون التحديات ضخمة وخطيرة بالنسبة إلى هذه الحكومة المُراقبة من قبل دول العالم. وستكون مهمة ميقاتي بالذات الاكثر صعوبة، فهو ينبغي ان يظهر قويا في طائفته، لكنه مضطر الى التغاضي، أو ابداء رأي خجول كما فعل امس في حديث لمحطة CNN، في قضية المازوت الايراني الذي دخل الاراضي اللبنانية بطبل وزمر، بما أوحى باجواء لا تخلو من التحدّي الذي لا يخدم رئيس الحكومة في طموحاته الانتخابية. وقد بدا الارباك واضحاً في الحكومة حيال هذا الملف، بحيث أنه لم تتم مناقشته لا من قريب أو بعيد، وكأن الحكومة غير معنية به. هذا التعاطي، قد يشكل بدوره نموذجاً للطريقة التي ستُعتمد في مقاربة كل الملفات الحسّاسة في الفترة المقبلة. وهذا يعني أن الحكومة مكبّلة، ولن تعطي الكثير من الانجازات.

يبقى أن الرهان الأساسي هو على نجاح الحكومة في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وفي تنظيم وإدارة الأزمة المعيشية والمالية بانتظار تمرير هذه الانتخابات. وستكون عيون المجتمع الدولي على هذا الاستحقاق حصراً، وهذا الأمر برز من خلال مواقف متعددة، من أبرزها الموقف الاوروبي. الذي دعا «قادة لبنان لعدم تأجيل الانتخابات عام 2022 تحت أي سبب». وهذا يعني أن المجتمع الدولي يعلق أهمية خاصة على هذا الاستحقاق، وأنه الانجاز الأساسي المطلوب من هذه الحكومة التي ولدت في ظرف دولي واقليمي سمح بهذه الولادة.

السهم