أخبار محلية

الكهرباء تتغذّى على العقود التي أرساها فياض: ماذا قدّم جعجع والصدّي لزيادة ساعات التغذية؟

كتبت صحيفة “الأخبار”: سريعاً ستكتشف القوات اللبنانية أن تسطيح ملف الكهرباء وتحويله إلى أداة للتفوق الشعبوي، لا ينتج ساعات تغذية بالكهرباء أكثر، بل العكس، ولا يؤدي إلى معالجة الملف بل يزيد تعقيداته.
فما حصل بين رئيس القوات سمير جعجع وانضمّ إليه وزير الطاقة جو الصدي، للتهديف على وزير الطاقة السابق وليد فياض، واتهامه بأنه وقّع عقداً مع العراق وأنه أجبر الحكومة على الاستدانة في سبيل إنتاج الكهرباء، لم يكن في حينه إلا الوسيلة الوحيدة لرفع ساعات التغذية من صفر إلى 5 ساعات ثم 8 ساعات يومياً. أم أن القوات اللبنانية وجو الصدي يعتقدان أن الكهرباء ستوزّع مجاناً على عامة الشعب؟
فإذا كان الأمر كذلك، فليستعملا شعبويتهما لاستيراد الفيول والغاز أويل اللازمين لتشغيل المعامل بصفر كلفة، وليتنعّم الشعب بهذه الشعبوية.
كان لافتاً أن وزير الطاقة جو الصدّي يتعامل مع ملف بحجم ملف الكهرباء بهذه السطحية. بدا كأنه يبحث عن مخرج ما للورطة التي أوقعه فيها سمير جعجع عندما قال إن وزير الطاقة السابق رتّب ديناً على الخزينة بقيمة تتجاوز 1.5 مليار دولار.
الصدّي، الذي كان يعمل في شركة تصنّف “محترمة” في العالم، وتتمتع بمقدار لا بأس به من المصداقية، وهو الذي اعترض على تعيينات مجلس الإنماء والإعمار لأن فيها “إيد وإجر”، كان عليه ألا يغادر هذا المربع من أجل توزيع الاتهامات، وأبرزها على سلفه وليد فياض الذي لم يكن يكلّ ولا يملّ في سبيل تشغيل المعامل.
ففي الواقع، وفي عهد الصدّي، انخفضت التغذية بالتيار الكهربائي إلى أقلّ من 4 ساعات يومياً في بيروت الإدارية بعدما أوصلها فياض بشقّ الأنفس إلى ما بين 6 ساعات و8 ساعات يومياً.
والمعامل تعمل الآن، في عهد الصدّي والقوات، بواسطة الفيول الذي استورده فياض بعقود رسمية وبمناقصات عامة علنية لم يستطع أي طرف سياسي أن يلوّثها بشعبويته.
منها ما يموّل عبر رصيد مجمّع لدى مؤسسة كهرباء لبنان في حساباتها لدى مصرف لبنان، ومنها ما يموّل عبر الخزينة العامة بقرارات اتخذت في مجلس الوزراء وبعضها كان يحتاج إلى اعتمادات لم يقرّها مجلس النواب.
وهذا الأمر كان يحصل وسط رفض قاطع من مصرف لبنان على تمويل الدولة بالعملة الأجنبية، فكانت الدفعات المستحقة على الدولة تؤجّل من يوم إلى آخر، ما دفع العراق إلى وقف شحنات الفيول في بعض الأحيان.
قبل كل هذه الخطوات التي يستعملها جعجع والصدي لانتقاد فياض، كانت الآلية المتاحة أن يستورد لبنان الغاز من مصر عبر الخط العربي مروراً بسوريا، لتشغيل المعامل، وأن يستورد الكهرباء من الأردن عبر شبكة الربط السداسي التي كانت تمرّ أيضاً بسوريا. وكانت هذه العملية ستموّل بقرض من البنك الدولي فيما كانت العقوبات الأميركية على سوريا تمنع تحقيق ذلك، وقد اشترط البنك الدولي استصدار “استثناء” من وزارة الخزانة الأميركية.
لكن الاستثناء لم يصدر. وبما أن لبنان لم يكن لديه تمويل متاح من الخزينة، ثم جاء الرفض الأميركي بعد مماطلة استمرّت لسنتين، كانت معامل الكهرباء لدى مؤسّسة كهرباء لبنان شبه متوقفة عن الإنتاج. في هذا السياق، اتخذ قرار رفع تعرفة الكهرباء، واستفادت المؤسسة من الدولرة الشاملة التي فرضتها السلطة في لبنان بالتعاون الوثيق مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، من أجل دولرة التعرفة وجباية فواتير الكهرباء بالدولار أو بالليرة وفقاً لسعر صرف الدولار السوقي.
دواعي استعادة هذا الأمر ضرورية، لأن إدارة المدة الانتقالية في هذا الملف لم تكن أمراً سهلاً. ففي مطلع 2023 كان سعر الدولار قد بلغ 140 ألف ليرة، وكان لبنان قد استنفد مبلغ 20 مليار دولار من الدعم الذي وزّع يميناً ويساراً من مصرف لبنان وقوى السلطة، سواء على المصارف التي حصل الكبار منها على 8 مليارات دولار، أو على دعم السلع الذي بلغ 12 ملياراً.
ثم انتهت ولاية سلامة في المصرف المركزي، وحلّ محلّه النائب الأول وسيم منصوري الذي اشترط ألا يموّل الدولة بأي طريقة كانت، وألا يسمح لها بالإنفاق إلا بما خصّصت له اعتمادات في الموازنة.
وكان رصيد مؤسسة كهرباء لبنان، المفلسة أصلاً، بالكاد يساوي صفراً، فهل كان جعجع يتوقع أن تعمل المعامل ببلاش؟ أم أن الصدّي لديه رأي آخر؟
لو كان أي منهما “على قدّ الحمل” ولديهما بعض من الجرأة السياسية، لكانت سهام حملتهما الشعبوية بشأن الكهرباء وجّهت في اتجاه المجلس النيابي حيث يتمثّلان بعدد كبير من النواب، وسألا لماذا لم تصدر قوانين تخصّص الاعتمادات لتسديد ثمن الفيول في الموازنة العامة، ولو بشكل ملحق لها. وعليهما أن يسألا أيضاً عما هو مدفوع فعلياً للعراق من ثمن الاستيراد، من أصل ما هو مستحق فعلياً.
هذه كانت إدارة الأزمة التي قادها فياض. لا يبخّس من ثمن الرجل الذي كان يعمل ليل نهار من أجل تحسين عدد ساعات التغذية، ولا فرق أصلاً إذا دُفعت المبالغ من “جيبة” الخزينة أم من “جيبة” مؤسسة كهرباء لبنان، فكلتيهما مردهما “الدولة” التي عليها أن تقرّر أن تفرض الكلفة كلّها على المقيمين في لبنان أم نسبة منها.
كل نقاش بعكس ذلك لا معنى له. وسائر المسألة المتعلقة بالقوانين كانت أموراً قابلة للنقاش حين لم يكن الانهيار قد حصل، أما الآن بعد هذا الانفجار الهائل في سعر الصرف والتضخّم وتآكل المدخرات والأجور والأصول، فيسعى جعجع والصدي من خلفه إلى تحميل فياض تبعات إدارة مرحلة الأزمة، لأن مجلس النواب لم يقونن الإنفاق!
إذاً، كيف يتم تشغيل معامل الكهرباء بلا فيول؟ فليكشف الصدّي عن خطّته للقطاع، وما إذا كان ينوي بيعه بثمن بخس وتحميل الشعب كلفة إنتاج الكهرباء.
بخطّة كهذه ستكون الكلفة أكبر على المستهلك لأن التعرفة ستزيد لتمويل أرباح الشركات التي ستشتري. قد يكون لديه حلّ، وهو أن يعود إلى الخطوات التي اتبعها فياض وأن “يشدّ الهمّة” لتأمين استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر بأسعار أقلّ لتشغيل المعامل وزيادة ساعات التغذية.
بالمناسبة، كان يفترض بفياض أن يفتح ملف الهدر الأكبر في وزارة الطاقة وهو استيراد الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان الذي كان يتم بواسطة شركة محسوبة على أكثر من طرف سياسي، ثم تملّكها أشخاص محسوبون على القوات.
استيراد الفيول طوال السنوات الماضية، والذي بلغ 24 مليار دولار، كان مفروضاً على الخزينة لتأمين النهب المحمي سياسياً، ولم يكن لفياض أي دور فيه.
في إمكان الصدّي أن “يشدّ ركابه” ويفتح الملف. يمكنه أيضاً أن يفتح ملف الاستثمار في ملف زيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء الذي فشل طوال العقود الماضية.
يمكنه القيام بالكثير إذا أراد. لكن عليه أولاً أن يعرض خطّة للكهرباء بكل محاوره من إنتاج وتوزيع وجباية، أفضل من تلك التي عرضها جبران باسيل على مجلس الوزراء. على الأقلّ من سبقه حاولوا القيام بأمر ما واستنكروا فشلهم أو إفشالهم، ولكن لا يمكن للصدّي وجعجع أن يبدآ بتوجيه الاتهامات قبل المحاولة على الأقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى