«سيدر» على الطاولة من جديد…ماذا تغيّر؟

د. شادي مسعد

شكّلت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى باريس مصدر اهتمام ومتابعة في بيروت، لجهة النتائج الاقتصادية المحتملة. وإذا كان من المعروف أن الكلمة السحرية لفتح باب المساعدات والانقاذ هي الإصلاح، فإن قدوم المبعوث الفرنسي الخاص بيار دوكان إلى بيروت، موفداً من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تؤكد الحماسة الفرنسية للمباشرة في وضع قاطرة الانقاذ على السكة. لكن الأهم في الموضوع، أن باريس أرسلت الى بيروت الرجل الذي بات يعرف الكثير من الخفايا اللبنانية، وقد تعلم واختبر واستنتج من خلال تجاربه السابقة التي بدأت في مطلع العام 2018، مع بدء التحضيرات لانعقاد مؤتمر «سيدر».

رغم أن زيارة دوكان تعتبر مؤشرا ايجابيا من حيث المبدأ، الا انها تحمل في طياتها ايضا، شكوكا فرنسية مشروعة حيال جدية وقدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ الوعود الاصلاحية التي تقطعها على نفسها. وبمجرد ان يكون دوكان هو الموفد الفرنسي الى بيروت، فهذا يشبه ارسال محقق مخضرم، يتمتع بخبرات واسعة، وهو قادر استناداً إلى هذه الخبرة والمتابعة، على الفصل بين الخيط الابيض والاسود، انه المحقق كولومبو (شخصية المحقق Frank Columbo الشهيرة التي جسدها Peter Falk) بالنسبة إلى الملف اللبناني. وهو وبالتالي قادر على كشف الحقائق مهما كانت مموهة، وسيكون تقريره حاسما لكي يعرف الاليزيه اذا ما كانت الامور تغيرت عمّا كانت عليه في حقبة التحضير لمؤتمر «سيدر»، ومن ثم انعقاده، وجمعه لأكثر من مبلغ 10 مليار دولار من اجل لبنان. وقد ظلت الاموال يومها حيث هي، لأن السلطة اللبنانية لم تبدأ تنفيذ أي اصلاح يتيح الافراج عنها!

وليس مستبعدا ان يثير دوكان، ولو عرضاً، احتمال إحياء مؤتمر «سيدر» بالتزامن مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بعد انجاز الحكومة اللبنانية لخطة التعافي الشاملة والتي ستتفاوض على اساسها مع الصندوق.

وبالمناسبة، واذا كان ملف «سيدر» مطروحاً للبحث، لا بد من اعادة نظر شاملة بالمشاريع التي كانت واردة فيه، لأن بعضها تخطاه الزمن، والأهم أن بعض المشاريع لم تكن على المستوى المطلوب لدعم الاقتصاد الوطني. معظم المشاريع التي طرحتها الحكومة اللبنانية على الدول المانحة، تتعلق بتأهيل البنى التحتية، واقتراض الاموال بفوائد ميسرة من اجل هذه الغاية. صحيح ان تطوير البنى التحتية امر حيوي، لكن الصحيح ايضا، ان عددا من المشاريع كان بمثابة تنفيعة انتخابية لهذا الفريق او ذاك. كما ان فرص العمل التي توفرها هذه المشاريع هي في غالبيتها مؤقتة، وليست دائمة. وهناك تقديرات لهذا النوع من المشاريع تفيد بأن نسبة 80 في المئة من الوظائف التي توفرها مؤقتة، مقابل 20 في المئة وظائف ثابتة.

انطلاقاً من هذا الواقع، لا بد من اجراء مراجعة شاملة لاعادة صياغة المشاريع التي يريد لبنان تمويلها من خلال اجراء المزيد من الدراسات المعمقة لكل مشروع وارد في لائحة مشاريع «سيدر» على حدة، للتأكد من الجدوى الاقتصادية، وسد الثغرات اذا وجدت قبل البدء بالتنفيذ. وشطب كل مشروع لا تنطبق عليه صفة الحيوية والعجلة.

كذلك لا بد من تنظيم دراسة لتحديد الاولويات في اختيار المشاريع وفق الحاجات والجدوى والأهمية. ووفق نتائج هذه الدراسة يمكن برمجة التنفيذ من اجل حُسن اختيار المشاريع التي ينبغي ان تمر أولاً. الجدول الزمني في خطة من هذا النوع اساسي، لأن عامل الوقت هو الأهم والأخطر في وضع دولة منهارة، كما هي حال الدولة اللبنانية اليوم.

ولضمان الشفافية في خطط من هذا العيار، لا بد من إشراك المجتمع الاهلي بالرقابة من خلال توفير آلية شفافة للحصول على المعلومات المتعلقة بالمشاريع، والسماح بالتواصل وابداء الرأي.

الى ذلك، أثبتت الدولة انها رب عمل فاشل، وبالتالي، لا بد من اعطاء القطاع الخاص مساحة اوسع في تنفيذ المشاريع. واذا كانت الحكومات في الخارج لا تقبل بارسال مساعدات انسانية عبر القنوات الرسمية للدولة، خوفاً من تعرضها للنهب، فهذا يعني ان الدول المانحة ستكون مرتاحة اكثر، وستسهّل التمويل بسلاسة اكبر، في حال تخلت الدولة عن حصرية ادارة بعض المرافق، وسمحت للقطاع الخاص بالدخول كشريك رئيسي في عملية اعادة تأهيل البنى التحتية على مختلف انواعها.

في كل الاحوال، ليس مستبعدا ان تكون هذه النقاط بمثابة شروط جديدة قد يطرحها دوكان في بيروت، بعدما يكون قد اطّلع على خطة الحكومة لبدء التحرّك. من دون ان ننسى ان دوكان سيركّز على قطاع الكهرباء، ليس لأنه قطاع حيوي ومسؤول عن هدر مليارات الدولارات فحسب، بل لأن الرجل ذاق «زوم» الزيتون في حقبة «سيدر» محاولاً اقناع الحكومة اللبنانية بتشكيل هيئة ناظمة للقطاع لكي تبدأ الدول ضخ الاموال الى لبنان، ولم ينجح. فهل سينجح هذه المرة، ام اننا امام معادلة غير قابلة للتغيير؟

السهم