راغدة درغام.. تجربة صحافية نادرة

من صخور قلعة راشيا ، قلعة الاستقلال ، استمدّت صلابتها ، فما انفك التاريخ يتدفق ويسري في عروقها وفي أعماق تكوينها ، فهي المرأة المختلفة التي يظهر تميّزها جلياً ويفاجئك صوتها  المجلّل بالوقار .

راغدة درغام ، الإعلامية اللبنانية الرائدة في مجالها ، تخطّت المألوف بثباتها وبخبرات تراكمت بسخاء، فصاغت هويتها التي تلاقت ومعابر أزمنتها.

تميّزت بمهنية عالية في تشريح الحدث وتصوير الواقع من مراتع السياسة العالمية وعمقها وتحديداً من مجلس الأمن والأمم المتحدة حيث رصدت آلية اتخاذ القرارات الدولية المصيرية ناقلة الخبر ضمن إطار تحليلي مبسّط.

تفوقها، فصول ومحطات وثـَّرت لها طريق الشهرة فاعتلت اعلى المنابر وحاضرت في أهم صروح جامعات الولايات المتحدة الأميركية فارضة هيبتها واحترامها بكلّ ثقة واعتزاز.

اختيرت كأبرز المعلقين السياسيين من السيدات واعتبرت واحدة من بين أقوى وأعظم 100 سيدة عربية.

بينها وبين “اللحظة” تصالح وتآلف حتى في ادق اللحظات !.. لم تأبه لمعاثر الحياة وخيباتها سوى أنها تعرّفت “عليها”.

رافقتُ طويلاً آدائها بتمعّن من وراء الشاشات، فشاء القدر على سهوة منه أن يتزامن لقائي بها في يوم يعني لي الكثير.

في الفينيسيا مقر إقامتها، التقيتها فكان الحديث التالي:

 حوار: ليندا زين الدين

في البداية تعرضت لمقاومة طبيعية من الرجال

بداية، هل أنت من اختار الغربة أم هي من اختارتك؟

أنا رغبت الغربة، لكن على أساس أن تكون مؤقتة هكذا كان…إن ما حدث كان نتيجة الظروف الوطنية والدولية والشخصية، فبعد أن غادرت لبنان عام 1970 لزيارة عمّي في الولايات المتحدة الامريكية وتحديداً في نيويورك،اقترح عليّ حينها فكرة البقاء لمتابعة دراستي في إحدى الجامعات الأميركية. فبقيت، على أن أعود إلى لبنان بعد انتهاء فترة الدراسة ؛ لكن ما حصل هو أنني توجهت إلى بوسطن مباشرة بعد إتمام تخصصي في الإعلام وخلقت برنامجاً إذاعياً أسميته “حنين”، ربط بيني وبين الجالية اللبنانية والعربية. بعد هذا البرنامج عزمت على العودة إنما وقوع الحرب الأهلية في لبنان حال دون ذلك. ففُرِضت عليّ الغربة… أنا اخترتها مؤقتاً بينما هي اختارتني بصورة أطول.

ومع أنني من مواليد بيروت ووالدي كذلك إنما أصولنا تعود إلى قرية بكّيفا في راشيا الوادي، هناك على صخور قلعتها حُفر إسم جدي الذي استشهد من أجل استقلال لبنان. تلك الصخور جذوري وبالتأكيد لها علاقة بمن أنا وبمن أكون. لذا أشعر دائماً بالعمق الذي أتيت منه. مؤخراً عدت إلى بيروت ،أولاً لأنني اشتقت، ثمّ لأن المشوار من بيروت وإلى بيروت رائع وممتع.

تفرّدتِ بشهرة إعلامية تكاد تكون الأولى من نوعها حيث تبوأتِ مناصب رفيعة المستوى في دول القرار. هل دائرة الضوء سلبت منك مراحل حياتية لا تُعوّض؟ وما التحديات التي اعترضت مسيرتك؟

لم أشعر إطلاقاً بأنّ أية مرحلة من مراحل حياتي سُلبت مني فأنا لم أصنع المهنية أو العالمية أو النجاح على حساب أي شيء آخر. لقد أتت لي الحياة تدريجياً، ومحطاتها أمتعتني بأفراحها وأتراحها. حتى عندما داهمني الألم وخسرت من أحببت، اعتبرت نفسي محظوظة لأنني تعرّفت على لحظة الصدمة التي باغتتني وأصبحت اليوم أستطيع التحدّث عن تجارب رحلة عمري بسعادة مطلقة…

في سن مبكرة جداً كتبت الشعر والقصة القصيرة، ولكن لم يكن من السهل أن أتطور إلى العمل الصحفي وأخوض معترك العمل السياسي والإستراتيجية الدولية وبالتالي كسر القاعدة. فقد كان هذا الميدان حكراً على الرجال. في البداية تعرّضت لمقاومة طبيعية من قبلهم ريثما تقبلوا فكرة التحدي هذه غير أنه خلال مسيرتي تعرّفت على نخبة من الرجال العقلاء Mentors  الذين ساعدوني على التفكير ورافقوني وأخذوا بيدي. بعضهم كانوا لي أحياناً أعداء وأحياناً أخرى أصدقاء. لم ألقَ محاربة دائمة منهم ففي نهاية المطاف نلت دعمهم وإعجابهم وأثبتُّ لهم أن المرأة قادرة على اقتحام أي مجال بما في ذلك السياسة العالمية.

من يستوقفك أو يلفت انتباهك من إعلاميات اليوم؟

يوجد العديد من الإعلاميات الزميلات اللواتي تميّزن في المجال الإعلامي لكن أفضّل عدم ذكر أسماء، يهمّني كثيراً أن تكون المرأة حاضرة في مجال التفكير الإستراتيجي.

وأنا صغيرة استوقفتني الإعلامية ليلى رستم إذ كنت أتابعها بذهول وأصغي إلى إلقائها ؛ لكن مع الأسف لم تسنح لي الفرصة يوماً بلقائها.

أعتز أنني خلقت مكانة محترمة للصحفي العربي في الأمم المتحدة

برز اسمك في زمن تكسّرت على حدوده المعايير التقليدية  للمعادلة المهنية. كيف تمكّنت من الصمود في ظل هذا التمييع الإعلامي؟

سأحدّثك عن تجربتي الخاصة في الأمم المتحدة، مقرّ عملي. حين دخلت الأمم المتحدة لم يكن ثمة صحفي معروف يُحسب له حساب ويتقن العمل بالمهنية المفترضة، بل كان يتواجد صحفي عربي واحد اقتصرت مهمته حينذاك على التقاط الصور وإعطاء المعلومات ؛ وفي الواقع كان لا بدّ من بلورة هذه الصورة ووضعها في إطار جدي ذات احترافية عالية… تحظى بكلّ الإحترام والتقدير ولها وزنها على صعيد العالم أجمع. وها أنا اليوم أعتزّ أنني خلقت هذه السمعة والموقع والمكانة للصحفي العربي الكفوء. لذا عندما أتى بعض الناس وامتطوا مهنة الصحافة لغايات أخرى غضبت كثيراً لأنني عملت جاهدة ولسنوات بغية تركيز هذا الموقع. أتباهى فعلاً بما فعلت وأتمنى على الجيل الجديد أن يستمرّ بهذه الرسالة النبيلة بالمواصفات المطلوبة للمهنة كي يُؤخذ الرأي العام العربي على محمل الجدّ وعدم الإكتفاء بالمهمة الصحفية فحسب.

كيف تحددين عمل الصحافية مبناً ومضموناً؟

 ليس كافياً أن تتمتع الصحافية بجمال المظهر وأن تتقن اللغة والآداء لتكون ناجحة، بل عليها أن تتحلى بالفضول الفطري للتعرّف على الحقائق والوقائع؛ طبعاً الأسلوب في الحصول على المعلومات مهمّ وأيضاً نوعية المضمون. فأن تنشر صحافية الخبر كما هو لمسؤول وكما أملا عليها دون التحقق من مصداقيته تكون قد أدّت له “خدمة مضادة” للعمل الصحفي. التوجه إلى أكثر من مصدر ضروري والغربلة مهمة جداً. لقد تميّزت بأني واجهت رجال الحكم من كبارهم إلى صغارهم واحترموا كلمتي لأنهم أدركوا أنني أتعاطى مع مهنتي ببالغ الجدية. بمعنى آخر، كانوا يخافون من قلمي وليس مني.

كيف تحللين سياسة أميركا الخارجية؟

  مبنية على المصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية.

الأنظمة العربية في المرحلة الإنتقالية ؟

 مصيرية للأنظمة ولشعوب المنطقة وذلك يستحق التمهّل والمحاسبة والمثابرة كي يكون التغيير إيجابياً. التدمير ليس سياسة. أن نكون بنائين هو التحدي الأكبر.

تدمعين على ؟

” على شو ما كان”.

تخافين من ؟

 ضيم قد يصيب ابنتي .

تتمردين على؟

الظلم والإملاء.

 تحترسين من ؟

الوشي.

تختلفين عن ؟

 الإعتيادية.

تنصرين؟

الحق الحق.

تأسفين على؟

وفاة والدتي.

تحنين لـ؟

ابنتي  الغالية.

ماذا عن Beirut Institute ؟

Beirut Institute  هي مؤسسة فكرية مستقلة منبثقة من المنطقة العربية ومن أجل المنطقة العربية والشباب الذين يحق ان يكون لهم منبر للتحدث من خلاله بلغة الحداثة والإعتدال والإستنارة والتحديث بعد أن كانوا يوماً في حالة استسلام بلا جلد؛ وهي تتوجه إلى صنّاع القرار وإلى الرأي العام  لكي يشارك الطرفان في صنع القرار عبر التفكير الجماعي والمحاسبة للتمعن في الخيارات التي تجعل منّا أسرة تقف في وجه التدميريين. بصراحة إنها ورشة فكر وفعل للحداثيين الذين يحسنون الإصغاء إلى متطلبات  المرحلة الإنتقالية ويرغبون في التواصل مع المستقبل. عندما تعذّر علينا عقد مؤتمر الإفتتاح لإطلاق Beirut Institute من بيروت بسبب الوضع الأمني والسياسي، لم ننكمش على أنفسنا بل قمنا بإجراء حلقة دراسية مصغّرة غير علنية للبحث في موضوع وطأة مشكلة اللاجئين السوريين وتأثيرها على البنية التحتية في لبنان بما يعني أن هذه المؤسسة ليست لبنانية إنما هي للمنطقة العربية بمدّ دولي. أما مجلس إدارتها ومجلسها الإستشاري فيضمّ كبار الشخصيات مثل سمو الأمير تركي الفيصل آل سعود ، الأمين العام السابق عمرو موسى، السفير الأخضر الإبراهيمي، الدكتور عبد الكريم الأرياني، السيدة نهلا حيدر، الدكتورة فريدة العلاقي،السيدة أميرة يحياوي، السيد طلال الشاعر، السيد طلال الزين، الوزير السابق زياد بارود، الوزير مروان خير الدين. ولقد حصلنا على دعم فائق من القطاع الخاص وأنا فخورة بتعاونهم وتجاوبهم… كما أود الإشارة إلى أننا أنشأنا أيضاً ما يُسمّى بـ “صندوق الأدمغة العربية” كجزء من مؤسستنا وإن شاء الله سنعلن عن الإفتتاح قريباً.