مخاطر وحقائق سترافق تفاوض لبنان مع دائنيه

شادي مسعد

يندرج البيان الذي أصدرته وزارة المالية، والرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الدائنين، في اطار اعلان حسن نية حيال بدء التفاوض على اعادة هيكلة ديون لبنان السيادية بالدولار (يوروبوندز). لكن اعلان النوايا ليس سوى خطوة بسيطة في مسيرة طويلة، ليس واضحا بعد، اذا ما كانت الحكومة قادرة علىبلوغ خواتيمها السعيدة.

في المفهوم القانوني لاعلان حسن النوايا يساعد هذا الاعلان في التمهيد لبدء التفاوض قبل التوجّه الى القضاء، وهو ضروري ويشكل نوعا من البروتوكول المتفاهم عليه، والمتبّع في العالم. هذه الخطوة الكلاسيكية، ولو تمّ اتباعها في العام 2020 قبل الاعلان عن التوقّف عن الدفع، مشفوعة بطلب مهلة زمنية للتحضير لاعادة هيكلة الدين، لأمكن تجنّب اعلان الافلاس، من خلال ما يُعرف بمهلة سماح لاتخاذ القرار (moratorium).

وكان سيتم تجميد دفع الفوائد على اليوروبوندز، تمهيدا للبدء بالتفاوض مع الدائنين. في كل الاحوال، هذا الامر لم يتم، وكان بمثابة خطأ فني ارتكب في عهد الحكومة السابقة، وساهم في تعقيد الأزمة.

حالياً، يمكن القول ان الحكومة الميقاتية تحاول تجنّب الاخطاء السابقة، وهذا امر جيد، لكنه لا يكفي ولا يعني ان الامور ستمضي نحو المعالجة، كما يؤمل، لسبب اساسي يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي. اذ من المعروف ان امكانية النجاح في التفاوض مع الدائنين، يرتبط بالمسار التفاوضي مع صندوق النقد.

وفي الاساس، لن يقبل الدائنون، سيما منهم الأجانب، والذين باتوا يحملون حوالي 40% من محفظة اليوروبوندز، أي اتفاق من خارج اطار الاتفاق الشامل مع صندوق النقد. كما ان الصندوق، يستطيع ان يلعب دورا مباشرا في التفاوض مع الدائنين، كطرف ذي مصلحة في معالجة هذه المسألة، بما يضمن تنفيذ الخطة التي يكون قد وافق عليها مع الحكومة اللبنانية. وهذه ليست سابقة بطبيعة الحال، لأنه سبق للصندوق ان لعب هذا الدور في دول عدة، آخرها الارجنتين.

صحيح ان الصندوق كان طرفا مباشرا في المسألة الارجنتينية على اعتبار ان الارجنتين كانت مقترضة من الصندوق مبالغ كبيرة، وبالتالي لعب الصندوق دور الراعي ودور المدين في آن، لكن الصحيح ايضا، ان الصندوق هو طرف في الدين اللبناني بحكم المصلحة المشتركة، في حال اقرار وتمويل خطة للانقاذ.

ومن هنا، قد يبدأ لبنان التفاوض التمهيدي مع الدائنين لوحده، بالتوازي مع تقدّم المفاوضات مع صندوق النقد، لكنه قد يجد الى جانبه الصندوق في مرحلة لاحقة، لاقناع الدائنين بالحل. وهذا أمر ايجابي طبعا، وسيسهّل الاتفاق مع الدائنين.

لكن السؤال الخبيث الذي يعطّل الايجابية في هذا الجانب من الملف، يرتبط بقدرة الحكومة على النجاح في التوافق على خطة انقاذ، وفي النجاح في اقناع صندوق النقد بها.

الى جانب الشكوك المحيطة بقدرة حكومة الانتخابات على التوافق على خطة شاملة، لا بد من التنبّه الى موضوع حساس، يتعلق بمصير الودائع والمودعين والقطاع المصرفي. اذ يبدو من الواضح ان حاملي السندات الأجانب لن يتصرفوا بتصلّب في اي مفاوضات لإعادة هيكلة الدين، طالما انها تتم برعاية صندوق النقد.

هذا الواقع لا ينطلق من “طيبة قلب” هؤلاء وتفهمهم للوضع اللبناني، بل يستند الى الوقائع والتجارب التي جرّبها الدائنون للدول عبر التاريخ. وقد صار واضحاً ان الدائنين العالميين يتصلّبون في مواقفهم في حالتين:

اولا- اذا كانت الدولة التي تعرِض الاتفاق على إعادة الهيكلة لا تتمتّع بضمانات جيدة تؤهلها للايفاء بالتزاماتها الجديدة.
ثانيا- اذا كانت الدولة المفاوضة تمتلك قدرات واصول خارج البلد لا تندرج تحت بند الحماية السيادية، كما هي حال اصول وموجودات البنوك المركزية، والسفارات وغيرها، وبالتالي يمكن الحجز عليها لتحصيل الحقوق في حال لجأ الدائن الى القضاء لتحصيل دينه.

وبما ان الحالة الثانية لا تنطبق على الدولة اللبنانية، ولأن موضوع الاحتياطي الذهبي يحتمل الالتباس، وبالتالي، لا يستطيع الدائنون التأكّد من قدرتهم للوصول اليه لاستيفاء ديونهم، فهذا يعني ان الاعتماد سيكون على البند الاول المتعلّق بالضمانات التي يمكن ان تقدمها الدولة اللبنانية لكي يُنجز الاتفاق. وهذا الموضوع يتأمّن عندما يقدم صندوق النقد ضماناته في هذا الشأن.

ما هو ايجابي في هذا الموضوع، ان التفاوض على نسبة الحسم من الدين ستستند بشكل اساسي على السعر الحالي الذي بلغته السندات في السوق الحرة. وكانت اسعار اليوروبوندز قد هبطت الى حوالي 12 سنتا للسند، قبل تشكيل الحكومة، لكنها تحسنت وارتفعت الى حوالي 20 سنتا بعد ولادة الحكومة، بسبب الآمال المعقودة على التفاوض مع الدائنين للاتفاق على اعادة الهيكلة.

انطلاقاً من السعر الحالي للسندات، واذا وصلت الامور الى مرحلة الاتفاق فهدا يعني ان التوافق على خفض الدين بالعملات الاجنبية سيدور حول مستويات حسم بنسبة 75%، بما يعني خفض دين لبنان السيادي من حوالي 32 مليار دولار الى 9 مليارات.

يبقى انه ينبغي التنبّه الى ان القطاع المصرفي اللبناني سيكون متضرراً بشكل كبير من هذا الحسم، ولا بد من التوافق مسبقا على توزيع هذه الخسائر لضمان عدم افلاس المصارف وضياع حقوق المودعين.

السهم