د. شادي مسعد
من خلال الإشارات الخارجيّة التي تلقتها الاطراف اللبنانية في الداخل، باتت تسود قناعة لدى هؤلاء أن الانتخابات النيابية المقبلة ستجري في موعدها، وأن الوقوف في وجه الإرادة الدوليّة في هذا الموضوع لن تكون سهلة، وبالتالي، ورغم توجّس معظم القوى السياسية من النتائج، إلا انها رأت نفسها مضطرة إلى التحضير لهذه الانتخابات بكافة الوسائل المتاحة، لضمان خفض الخسائر المحتملة.
ومن الواضح أن قرار القوى السياسية الاندفاع نحو التحضير للانتخابات، ينطلق من مبدأ عدم اضاعة الجهد والوقت في محاولة تعطيل الانتخابات، لأن الفشل في هذه العملية سيؤدّي إلى تكبير الخسائر الانتخابية. وبالتالي، اتخذ القرار في قيادات الاحزاب الكبرى والقوى الاساسية بالبدء مبكراً بتشغيل الماكينات الانتخابية، ومباشرة الاستعدادات لخوض المواجهة.
انطلاقاً من هذا الواقع، تبدو نتائج الانتخابات النيابية المقبلة مفصلية على ثلاثة محاور اساسية:
المحور الأول- تحديد موازين القوى بين الأحزاب والقوى السياسية القائمة، وهذا يعني فرز رابح بين فريقين. فريق ما كان يُعرف سابقاً بـ 8 آذار، وهو يمتلك حالياً الاكثرية النيابية، وأبرز رموزه حزب الله والتيار الوطني الحر. وفريق مناوئ سياسيا، كان يعرف بـ 14 آذار قبل أن تتفرّق مكوناته، ومن أبرز القوى التي يمثلها هذا التيار، حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل.
لكن المفارقة أن هذين الفريقين على خلافٍ في الوقت الحالي.
المحور الثاني- تحديد الأحجام الحقيقية بين الطبقة السياسية التقليدية القائمة وبين القوة السياسية الصاعدة التي يمثلها المجتمع المدني بكل تلاوينه، والتي كانت موجودة في الانتخابات الماضية لكنها فشلت يومها في تحقيق نتائج باهرة. في حين أن الكثيرين يراهنون على ان الوضع تغير، وان “ثورة” 17 تشرين مفصلية لهذه الجهة، كما أن الانهيار الذي وصل اليه البلد منذ تشرين 2019 حتى اليوم، كفيل بمنح هذه القوة الصاعدة نتائج مختلفة تماما عن انتخابات 2018.
المحور الثالث: تحديد الأحجام داخل الطوائف، خصوصاً في الشارعين السني والمسيحي. إذ يتبين من تقسيمات خريطة توزيع القوى، أن التغييرات الكبيرة قد تحصل في هذين الشارعين بصورة خاصة.
استناداً الى هذه المحاور الثلاثة، تجري الاستعدادات للمعركة الانتخابية وفق اولويات مختلفة بين طرف وآخر. ويمكن تقسيم هذه الاولويات وفق التسلسل التالي:
أولوية المعارضة في المجتمع المدني بكل تلاوينه النجاح في توحيد الصفوف قدر الامكان، للفوز بأكبر قدر من المقاعد التي تسمح بولادة كتلة نيابية وازنة بعد الانتخابات، تستطيع أن تشكل رأس حربة في معركة التغيير التي ينادي بها هؤلاء.
أولوية الأفرقاء السياسيين الآخرين تتنوع وتختلف حسب الموقع والطموح. حزب الله، على سبيل المثال، لا يبدو قلقاً كثيراً من خروقات مهمة للمعارضين في الشارع الشيعي، لكنه يركز اهتمامه على مبدأ دعم الحلفاء في محاولة للحفاظ على الاكثرية النيابية التي يتمتع بها منذ 2018.
في حين أن تيار المستقبل يخوض معركة بقاء الرقم الأول في الشارع السنيّ، وعينه على المجتمع المدني الذي قد يخطف منه مقاعد، وكذلك على الحلفاء، مثل الرئيس ميقاتي، لأنه منافس جديّ على الشارع السني.
في المقابل، عين ميقاتي على تكبير حصته السنية، بحيث يصبح المرشح الاكثر حظا للبقاء في السراي. وفي الشارع المسيحي تبدو المعركة فردية، اذ كل فريق يحاول تحسين حصته بغض النظر عن المشهد السياسي العام. ومن البديهي أن عين حزب القوات اللبنانية على الاكثرية في الشارع المسيحي في محاولة لوراثة التيار الوطني الحر، والفوز بمشروعية طرح رئيس الحزب سمير جعجع لرئاسة الجمهورية.
في المقابل، يسعى التيار إلى الاحتفاظ بالاكثرية التي فاز بها في انتخابات 2018، وهو يعرف أن الحفاظ على المركز الاول يسهل عملية طرح رئيسه جبران باسيل لرئاسة الجمهورية. ولا يمكن استبعاد حزب المردة عن معادلة رئاسة الجمهورية التي يطمح اليها رئيسه سليمان فرنجية، وقد كان على قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى بعبدا، قبل حسم المعركة لمصلحة العماد ميشال عون.
ويعتبر فرنجية أن مفتاح دعم حظوظه يكمن في قدرته على الخروج من حصر نفوذه في منطقة زغرتا، وهو حقق خرقا من خلال تحالفه مع فريد هيكل الخازن، ويأمل ان يوسع هذا الخرق في الانتخابات المقبلة، بحيث يستطيع أن يستبدل الزعامة الشمالية بزعامة مسيحية. أما حزب الكتائب، فهو فتح المعركة علناً على حزب القوات اللبنانية، وصنّف نفسه في صميم المعارضة مع قوى المجتمع المدني، ويأمل أن يحسّن حصته بعدما تقلصت في الانتخابات الماضية، ولم يعد قادرا على المنافسة الزعاماتية في الشارع المسيحي بهذه الحصة النيابية المتواضعة.
هذه الخريطة لا تنفي حصول معارك جانبية في الشارعين الدرزي والشيعي، لكنها ستكون أقل ضراوة، ونتائجها اكثر وضوحاً بسبب ارجحية مبدئية للثنائي الشيعي في الشارع الشيعي، ولزعامة وليد جنبلاط في الجبل.
السهم