شيخ العقل في خطبة الفطر: علينا تفعيل الجهود وإلغاء استثمار الوظيفة السياسية

 

ألقى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن خطبة عيد الفطر قال فيها: “تطيب غرة شوال إذ يبلغها المؤمن محققا غاية الصوم. وكان بالصدق في سلوكه واعتقاده وطاعاته وتقواه قد تيقن أن الصبر على الجوع والظمأ إلى حين ما هو إلا ذريعة لتهذيب النفس وتزكيتها تحقيقا لرياضتها في رحاب الحق. وهو صبر في محل الحمد والرضى بما أنعم الله به على عباده في الشهر المبارك من فضل هو بدوره في محل استدراك الخير لأغلى ما وهب للانسان أي الروح. والهدى في الروح نور ينبه النفس عما يرديها في غياهب الجهل والشر والنفاق وكل ما هو مذموم ومخالف لحدود الشرع”.

أضاف: “الفطر، في مقام حفظ النعمة بأداء واجب شكرها بالعمل المخلص، وهذه كلها مقومات الوجود في مجتمع إسلامي سليم، ولا يتصور قيام أمة مع الدخول في التباسات التناقض بين قواعد الإيمان القلبي وبين الممارسة الإجتماعية فوق أرض الوقائع والأحداث. إن الدرس العظيم من كل ما يعلمه الكتاب المكرم الشريف هو امتثال الغاية السامية من الإيمان المحقق بالأفعال وصدق المعاملات وارتباط الحركات والسكنات بما هي القيم المؤسسة لكل خير والمرتبطة ارتباطا تأسيسيا ببنيات المجتمعات الساعية إلى عيش كريم تكون ضماناته، فضلا عما سبق، التزاما إنسانيا دستوريا بروح القوانين أي بالعدل والمساواة وحفظ الحقوق واحترام الواجبات وصونا للحريات التي تميز تمييزا حازما بين ما هو كرامة الحياة وما هو الانزلاق في فوضى الابتذال”.

وتابع: “ونحن، في لبنان علينا تفعيل الجهود واحياء كل المقومات للنهوض من بؤر الاهتراء والترهل وإلغاء استثمار الوظيفة السياسية ومحو تعزيزات الفضاءات الخاصة للمصالح ومحاسبة الثراء غير المشروع واستخدام السلطة لامتلاك أدوات النفوذ. وعلى هذا، ومهما كان الرأي في الجهود المبذولة للعثور على منافذ الخروج من المأزق المتعدد الوجوه، ومهما تعددت وتضاربت التقييمات في النظر إليها، فإن لبنان الموضوع في حالة طوارئ في مستوى مقلق من الخطورة بحاجة إلى ارتقاء كل مسؤول فيه، من الكبير إلى الصغير، من حالات الجمود والانتهاز والتنفع والاستنقاع بل والغفلة العميقة في الأذهان إلى حالات الاستنفار الإيجابي والمبادرات الفورية المثمرة والاتجاه الحقيقي نحو إحياء إرادة التعاضد الوطني الجامع بما يتجاوز التمترس خلف حواجز التشرذم الفئوي. إن أمة تشهد في ديارهم القهقرى كما هو في لبنان ولديها من الإرادة والقوى ما تستطيع دفعه فلا تفعل بل تحول دون ذلك أنانيات رجال منها فهي أمة تترنح في طريق الانهيار. ولا بد من القول أن المبادرات المتحركة من الدولة والمؤسسات والأفراد في دائرة الدعم العيني والمادي لكل من خذلتهم التطورات خصوصا في أرزاقهم ولقمة عيشهم ووظائفهم وخسائرهم في خضم التلاعب المشبوه بقيمة العملة الوطنية أمر واجب ومشكور. كما نخص بالذكر الجيش الوطني لدوره الجبار في كل المهام المناط به على جميع الأصعدة”.

وأردف حسن: “إزاء ما تشهده بلادنا في هذه المرحلة الخطيرة من تحديات معيشية حياتية اقتصادية اجتماعية، أملنا من المسؤولين القيام بما يلي:
– الإقلاع عن استخدام الدولة ومؤسساتها للمصالح الخاصة والفئوية أو لتصفية حسابات أو كيدية أو غيرها.
– التوقف عن التنابذ وتراشق الاتهامات ورمي المسؤوليات، والانكباب فورا عبر الحكومة والمجلس النيابي بالتعاون، الى ورشة إصلاح جذري تطال كل القطاعات التي يملأها الهدر والفساد، وتقديم رؤية اقتصادية مبنية على تفاهم وتشاور مع كل القطاعات الإنتاجية والهيئات الاقتصادية واتحادات العمال وروابط الموظفين والنقابات، لكي تكون خطة مدروسة عادلة اجتماعيا وقابلة للتطبيق، وتلقى قبولا من صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان.
– تنفيذ اجراءات فعلية في منع الغلاء وضبط الأسعار وتنظيم سعر صرف العملة الوطنية، وتغيير أساليب العمل في قطاع الكهرباء وضبط ملفات التهريب والتهرب الجمركي والضريبي.
– إعطاء القضاء الاستقلالية التامة، لأنه ضمير الأمة ولأن لا محاسبة ولا مكافحة فساد حقيقية إلا عبر قضاء نزيه مستقل عن أي تدخل سياسي. ثم إعادة تفعيل الادارات العامة على قاعدة الكفاءة في التعيينات والترشيد في الإنفاق.
– تطبيق سياسات اجتماعية تربوية وصحية متبصرة، مع استمرارية رعاية ودعم الأسر المحتاجة، والتي ستزداد أعدادها تباعا بفعل ارتفاع البطالة وانسداد الأفق الاقتصادي، ودعم قطاعي الزراعة والصناعة لتوفير بعض فرص العمل تعويضا عن الخسارة في قطاعات أخرى.

وقال: “ما تقدم هو برأينا المسار السليم لخلاص لبنان، وبغير ذلك لا نرى خلاصا حقيقيا، واللوم كله سيكون على عاتق من هم في مواقع القرار والمسؤولية. وكلنا يرى أن المبادرة في أي خطوة إيجابية تجمع ولا تفرق، من شأنها أن تشير إلى ما يتوجب عمله من دون إبطاء في الدفع نحو استعادة الثقة في مفاعيلها الداخلية بين كافة القوى والقطاعات، والخارجية مع الدول والمؤسسات المعنية بمساعدة لبنان. من ناحية ثانية لا بد من التعبير عن ارتياحنا الأكيد، ودعمنا لكل ما يعزز بين اللبنانيين منحى إيلاء الأولوية لدرء أخطار التنافر المؤذي بين المواطنين، مؤكدين على أولوية مفهوم المواطنة الجامع على سوء الاستخدام الأعشى للفئويات والعصبيات واختلاف مشارب الانتماءات السياسية وغيرها”.

وتابع: “إن تراثنا التاريخي بما فيه السياسي يعلمنا أن ما جعل بالإمكان تحقيق وطن فوق هذه الأرض هو روح المشاركة والتلاقي بقوة إرادة جامعة في العيش معا التي تقاطعت مضامينها لتشكل ما سمي بالميثاق الوطني. وإن تعثرت الميثاقية في الليالي الظلماء فإن ما ولدها هو قوة باقية لا يفرط فيها إلا من يهوى التفريط بالوطن. إن اختلاف الرأي لا يمكن أن يكون عاملا من عوامل الهدم والتعطيل. ما دام العقل عقال العواطف نقول فاعقلوا جواد عواطفكم سواء اكنتم افرادا ام رؤساء في مجتمعاتكم تختلفون فيما لأجله تعملون”.

واستطرد: “اذ نستذكر معاني عيد الفطر، فإنه يصادف على مقربة من عيد التحرير والمقاومة الذي شكل ولا يزال رمزا لقدرة اللبنانيين على الصمود والمواجهة ضد الاحتلال والتصدي لعدوانيته والانتصار الوطني عليها. وفيما البشرية تواجه تحدي الوباء الذي يدفع باتجاه إجراءات ضرورية لا مناص منها لدرء المخاطر، لا تزال فلسطين تحت نير الخطر المباشر من الاحتلال الذي لا يترك فرصة إلا ويكرر فيها تعدياته بحق الأرض وأهلها، ويمعن في انتهاك المقدسات وحقوق الانسان، وهو ما يستدعي في المقابل إجراءات حاسمة حازمة من الأمتين العربية والإسلامية، وضرورة وحدة الشعب الفلسطيني وتخطي كل الخلافات والانصراف لمقاومة بمختلف الأشكال لهذا التمادي في الاعتداءات لكي تبقى القدس عاصمة لدولة فلسطين العربية المستقلة”.

وختم حسن: “نسأل الله تعالى أن يمن على شعبنا بكرمه ورحمته وجزيل نعمه، وأن يبارك صيامه وفطره بالقبول والمغفرة، وأن يعين بأسرار لطفه كل ذي ضيق وقلة في الأيام الصعاب، وأن يسدد المؤتمنين والمنتدبين لخدمة الشعب في مساعيهم لكل خير، وأن يعيده على أمته وشعوبها بنسائم الفرج والسلام، إن ربي قريب مجيب، والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته”.